عرضنا في المقال السابق ملخصا لأطروحة شيريل بينارد «الإسلام الديموقراطي المدني»، والتي تقسم المسلمين إلى 4 فئات وتدعو إلى قتل وتدمير الفئتين الأولى والثانية (الأصوليين والتقليديين المتمسكين بالنصوص الدينية)، مقابل دعم وتشجيع الفئتين الثالثة والرابعة (الحداثيين والعلمانيين المتماشين مع القيم الأميركية والأوروبية).
بداية شيريل بينارد تنطلق في أطروحتها أو مشروعها لتغيير الإسلام إلى إسلام جديد مدني وديموقراطي مقبول غربيا من أطروحات فلسفية هي في الأساس مثار جدل، بعضها تخلى عنها أصحابها مثل أطروحة «نهاية التاريخ» التي تبرأ منها صاحبها الأميركي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما، وكذلك تبني مشروعها على أطروحة صموئيل هنتنغتون المعروفة باسم «صراع الحضارات»، وهي أطروحة جدلية نالت الكثير من النقد، ومع هذا تتعامل معهما بينارد كمسلَّمات وحقائق نهائية.
بالنسبة لأطروحة نهاية التاريخ، وملخصها أن فوكوياما وهو تلميذ هنتنغتون، كان يعتقد بصحة نظرية صراع الحضارات، وطوّرها بالقول إن الصراع انتهى بعد سقوط كل الامبراطوريات الكبيرة والحضارات القديمة، اليونانية والصينية والفارسية والرومانية والعثمانية وأخيرا السوفييتية، ولم يتبق سوى الحضارة الأميركية بركنيها الديموقراطي في نظام الحكم، والرأسمالي في الاقتصاد، وبذلك أسدل الستار على حركة التاريخ. إلا أنه تراجع عن هذه الأطروحة، وأقرّ بخطئها بل وانسحب من الحزب الجمهوري بعد أن كان يوصف بالمنظّر الأول لجناح الصقور فيه. والأطروحة نالت ما نالت من نقد علمي من الغربيين تحديدا والذين بينوا سذاجتها وافتقارها للتحليل الفلسفي وكونها لا تعدو أحلاما وتفكيرا رغبويا.
كما أن شيريل بينارد تتحدث عن «النموذج الأميركي» كما أنه حقيقة ثابتة ونهائية، وبأنه النموذج الأكمل والوحيد الصالح لكل زمان ومكان وعلى الجميع أن يتقبله ويتبعه دون نقاش. في حين أنه نموذج فاشل يعاني فيه معظم المجتمع الأميركي من مشكلات لا حصر لها، مجتمع رأسمالي جشع خالٍ من الرحمة وفيه عنصرية وتفاوت اجتماعي بشع بين قلة تملك كل شيء وكثرة تعاني الفقر والحرمان من أبسط الحقوق وأهمها الرعاية الصحية الآدمية، بل وحتى الديمقراطية التي تتبجح بها بينارد هي ديموقراطية النخبة التي تملك المال والنفوذ ووسائل الاعلام.. ويكفي النقد الموجه للديمقراطية الأميركية وهيمنة أصحاب النفوذ عليها بعد احتلال العراق عام 2003 ومقتل آلاف الأميركيين بحجة وجود أسلحة دمار شامل التي أقنعوا الشعب بها ثم تبين كذبها من الأميركيين أنفسهم. كما أن بينارد تتحدث عن أميركا وأوروبا وكأنهما كيان واحد ومنسجم فكريا واجتماعيا، في حين أن ما بينهما من اختلافات أكبر مما بين السماء والأرض، بل إن هناك تفاوتا حتى بين المجتمع الأميركي نفسه، الذي يضم جماعات كثيرة لها خصوصيتها وتشريعاتها مثل البروتستانت والكاثوليك والايميش والسكان الأصليين (الهنود الحمر) وغيرهم، وأوروبا بدورها تضم كذلك مجموعات مختلفة ومتنوعة، والاختلاف واضح بين أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية، بل حتى على نطاق البلد الواحد مثل شرق ألمانيا وغربها على سبيل المثال.
***
رغم العداء الواضح والتحريض الفج على قتل المسلمين وإشعال الحروب فيما بينهم والذي تمتلئ به صفحات تقرير شيريل بينارد، إلا أن هذا لا يعني أن المسلمين أبرياء وضحايا مؤامرات خارجية، فالحق أن مراجعة فهمنا للإسلام أمر مستحق، وأن كثيراً من النقد الموجه للفهم المتطرف عند بعض التيارات الإسلامية هو نقد صحيح، لكن على المسلمين أن يراجعوا أمرهم بأنفسهم وأن يصلحوا شؤونهم على طريقتهم ووفقا لمصلحتهم، وإلا فالآخرون سيفعلون ذلك لمصالحهم هم ووفقا لرؤيتهم.
[email protected]