يدور في ألمانيا حاليا جدل قديم متجدد حول كون الإسلام أو المسلمين جزءا من الثقافة الألمانية، تعود جذوره إلى العام 2010 عندما أعلن الرئيس الألماني آنذاك كريستيان فولف «أن الإسلام جزءا من ألمانيا»، وفي استطلاع للرأي بعدها بأيام قال 49% من الألمان انهم يؤيدون تصريح رئيسهم فولف.
وفي مارس 2018، اعترض وزير الداخلية آنذاك هورست تسيهوفر، وقال ان «الإسلام ليس جزءا من ألمانيا»، بعدها بأيام ردت عليه المستشارة انجيلا ميركل في البرلمان (بوندشتاغ) بتصريح شهير ستردده كثيرا قائلة «بل الإسلام جزء من ألمانيا».
> > >
قبل أيام وعلى وقع تجدد النقاش، قامت مؤسسة دويتشه فيلله الإعلامية بإجراء استطلاع للرأي حول الموضوع، وكانت النتيجة 60% من الألمان عارضوا مقولة ان الإسلام جزء من ألمانيا، مقابل 34% أيدوها. وكحل وسط، يلجأ كثير من المعتدلين، من سياسيين ومثقفين إلى مقولة أخرى تقول ان «المسلمين وليس الإسلام جزء من ألمانيا». لكن هذا الكلام لم يعجب المؤرخ الألماني الكبير ميشائيل بورغولته، الذي قال قبل أيام «الإسلام هو أحد أسس الثقافة الألمانية بل والأوروبية، والنهضة التي عرفها الغرب في القرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لم تكن ممكنة لولا التراث الإسلامي، ونحن نستفيد حتى يومنا هذا من العلماء المسلمين».
> > >
الحقيقة ان المسلمين في ألمانيا لم يدخلوها غزاة ولا فاتحين، بل دخلوها بطلب من حكومات ألمانيا المتعاقبة بعد الحرب العالمية الثانية حين أفرغت ألمانيا من شبابها واحتاجت لقوة عمل تعيد بناء ما هدمه هتلر وجماعته الألمان. وهم يشكلون أكثر من 5% من السكان اليوم، أي أكثر من 5 ملايين مسلم، يعيش معظمهم في الولايات الغربية الأكثر انفتاحا وتسامحا، على عكس الولايات الشرقية وخاصة درزدن عاصمة ولاية ساكسونيا، معقل جماعة «بيغيدا» اليمينية المتطرفة. وألمانيا التي توصف بأنها ذات أغلبية مسيحية بروتستانتية، يشكل البروتستانت فيها 34%، يليهم الكاثوليك 31%، ما يجعل الإسلام في ألمانيا ثاني أكبر ديانة بعد المسيحية.
> > >
من عجائب ألمانيا أنها تفرض «ضريبة تدين»، ولا أعرف دولة أخرى تفعل هذا، إذ تفرض الحكومة على كل من ينتمي للكنيسة (كاثوليكية أو بروتستانتية) ضريبة دخل إضافية بواقع 8%، ولا يعفى منها الفرد إلا إذا قام بالخروج من الكنيسة، بإجراء يسميه الألمان Kirchenaustritt (كيرشن آوستريت)، حيث يطلب المتقدم شطب اسمه من سجلات المعمودية في الكنيسة مقابل رسوم قدرها 50 يورو، في حين لا تفرض مثل هذه الضريبة على المسلمين ولا أصحاب الديانات الأخرى. ربما نفهم الآن لماذا يوجد في ألمانيا أكثر من 60% من «اللادينيين» (أي الذين يسجلون أنفسهم بأنهم لا ينتمون لأي دين)، ونفهم أيضا عمق مقولة كارل ماركس حين اعتبر العامل الاقتصادي هو الأساس المحرك لكل ما يجري من أحداث.
> > >
صحيح ان الإسلام لم يكن جزءا من تاريخ ألمانيا البعيد، لكنه أصبح اليوم جزءا من ثقافتها، فهناك أكثر من 206 مساجد كبيرة موزعة على المدن الرئيسة، وأكثر من 2600 مسجد صغير، إضافة إلى مراكز إسلامية متنوعة، والإسلام يدرس في معظم المدارس الحكومية الألمانية. قبل أيام، دخلت كلمة «إن شاء الله» قاموس دودن Duden الشهير، وهو أهم وأكبر قواميس اللغة الألمانية، وتكتب بالألماني Inschallah. والحق ان كل الأديان اليوم أصبحت جزءا من ثقافة كل الشعوب حول العالم رغما عنها في ظل العولمة الثقافية، وهذا أمر إيجابي باعتقادي.
[email protected]