الشأن السياسي عندنا في الكويت لا يسر القريب ولا البعيد، فميلاد ازمة يحدث بسرعة عجيبة لحظة موت ازمة او تلاشي ازمة، فالازمات متلاحقة وتدور في فلك كما الكواكب التي تدور في افلاكها حول الشمس، وكوكب الشمس يمسك بتلك الكواكب التسعة بقانون يطلق عليه قانون الجاذبية الشمسية وهو نظام رباني عجيب، وجوازا نريد نظاما دقيقا يحدد تلك العلاقة التي تشوبها الفتن والقيل والقال وعدم وضوح الرؤية وعدم الدقة في اختيار العبارات والنعوت فكثيرة هي تلك السهام التي تطلق على سجيتها دون التفكير في آثارها ومدى الجسارة في الاتيان بها.
والاستقرار هو هاجسنا جميعا ولا يمكن بأي حال من الاحوال ان تهدر حقوقنا نحن السواد الاعظم من اجل مجموعة من البشر يريدون عدم الاستقرار والتصعيد والتصيد من اجل كرسي هنا او وضع رجل هناك فاستمرار النهج الحالي والصوت العالي لن يحقق شيئا لنا وسيعيدنا مرة اخرى الى المربع الاول القاضي الى الفوضى والتراشق والفجور بالخصومة. ان استقرار الديموقراطية لن يتحقق الا بالرجوع الى القواعد الشعبية الى ارادة الامة وهو مطلب اساسي لتحقيق العدالة واستقرار النهج وضمان الحريات، وعلى الحكومة ان تتحمل مسؤوليتها تجاه ما يجري على الساحة من لغط سياسي حول الدوائر الخمس وحقيقتها من حيث توزيع الامان الانتخابي بين اطياف الشعب وتحقيق ميزان العدالة، وارادة الامة ليست مقصورة على مجموعة بذاتها فقط دون التعرف او جس النبض للمجاميع الاخرى او ما يسمى بالاغلبية الصامتة، ومفهوم تحقيق العدالة للناخبين يعني اعطاءهم الحق في ايصال من يريدون لإيصال اصواتهم ومطالبهم، فكما كرست منظومة الـ 25 دائرة عادت الينا منظومة الـ 5 دوائر بنفس النمط من التعامل مع القضايا المصيرية، فلم يتغير نمط المناقشة او التفكير في تحقيق مبدأ التنمية الواسعة وفي شتى المجالات بل اقتصر مفهوم التنمية على المشاريع ذات المصلحة الخاصة دون النظر الى المصلحة العامة.
والحكمة تتطلب منا قليلا من التروي والهدوء وتحكيم العقل والعودة الى ضمير الامة وناخبيها دون الانصياع لذلك المفهوم الضيق الذي يحقق مبدأ «أنا ومن ورائي الطوفان»، والواضح من العملية التصريحية في هذه الايام ان هناك تكرارا للتصريحات وسيلا من عبارات التهديد والوعيد لمن يخالف الرأي وكأن الرأي محجور على فئة معينة بأسمائها وهذا هو عين التخلف، فدعونا نشارك ونبدأ ابالاستماع الى الآراء حتى ولو تم الاختلاف ففي النهاية هي كلها اجتهادات وآراء تصب جميعها في الصالح العام، وارادة الأمة ليست حكرا على فئة دون اخرى. ان العناد السياسي الدائر الآن ويبدو وكأننا بين فريقين كل متمسك برأيه وكل يريد الغلبة والسيادة، فهذا النهج لن يحقق الا مزيدا من الاشكاليات والتراجع الى الخلف، ولن نخوض هنا بأي من المجلسين (2009 و2012) ايهما افضل بالنسبة لأعمال التنمية ومصالح الامة فلكل مجلس مساوئه ومحاسنه «اخفاقاته وانجازاته».
ان المرحلة الحرجة التي نعيشها هنا في الكويت وعلى الاخص فيما يتعلق بالمرحلة الراهنة ما بين تشكيل الحكومة ودعوة مجلس 2009 وما ستؤول اليه جلسة الافتتاح للمجلس وصيرورة الاحكام والقوانين والتشريعات السابقة واللاحقة، كلها امور تحتاج الى ترو وبصيرة ثاقبة بحيث لا نفقد القيادة مرة اخرى في سبيل اصلاح الوضع السياسي، وهنا مطلوب من الحكومة عدم التراجع والمضي قدما في الاصلاح والمساهمة في الاستقرار، ولنعط اهل الرأي والمشورة القانونية والدستورية حقوقهم في ابداء الصالح العام والاستماع للرأي القانوني والاحتكام للدستور بعيدا عن التشنجات التي لن تحقق لنا الامن والأمان.
والحكومة ومن منطلق ما لديها من حجج في تحقيق مبدأ العدالة الانتخابية عليها ان تفصح عن خططها المستقبلية ليأخذ المواطنون كامل حقوقهم في التعبير عن آرائهم وعلى الحكومة الا تتراجع في مقارعة الحجة بالحجة وعلى الاخص حول تلك الآراء والكتابات حول ما ستؤول اليه الاوضاع الراهنة، ومسيرة الحياة البرلمانية في الكويت لا تختلف عن مثيلاتها من دول العالم ولكن المحزن والمؤسف ان حقوق الغير في التعبير وابداء الرأي اصبحت عائقا في مفهوم الآخرين واصبح نشازا من لا يقف معهم.
والحياة مليئة بالعبر ولابد من الاستفادة منها في تحقيق المطالب الجوهرية في العيش الآمن وبعيدا عن تلك التشنجات المخيبة للآمال، ومن هذا المنطلق لابد من الرجوع الى الدستور فهو الملاذ الآمن والحصن الامين لنا جميعا وسنحقق من خلاله الاهداف السامية لتنمية عادلة لا تشوبها اي منغصات.