كثيرة هي الرسائل التي أطلقت لمعالي وزير التربية، البعض منها يحوي التطلعات وأخرى ترشد لمواطن الخلل. هذا الكم الكبير من الرسائل للدكتور العيسى ليس بمستغرب، فهو يجلس على رأس السلطة التنفيذية المعنية برسم مستقبل هذا البلد الطيب. ورسالتي اليوم ستختلف من حيث المضمون والطريقة.
أهدف بهذا المقال الى مناقشة فكر معالي الوزير وأتحاور مع أفكاره من خلال قراءة أفعاله وأقواله. وأبدأ بأن أقر أن الحمل ثقيل والمهام متداخلة بشكل كبير «وزارة تربية، تعليم عالي، جامعة، تطبيقي، مؤسسات، مجلس وزراء، ومجلس أمة ..الخ». اليوم لن أجاملك يا معالي الوزير بل احفظ لك حقك واحترامك وأتناول النقاط بموضوعية وتجرد.
لقد كان معالي الوزير ومنذ أول تصريح كان جريئا فيما يطرح وما يتناول من قضايا وأبدى تعاونا وتفهما لكثير من الأمور التي تمس المنظومة التعليمية على مختلف مستوياتها. ولكن كانت بعض التصريحات لوزير التربية غير مدروسة بشكل كاف. وأعلم وتعلم عزيزي القارئ أن الشأن التعليمي بحقيقته مشابه الى درجة كبيرة ورقة العملة «ذات الوجهين» فهناك أمور يطلع عليها الناس وهناك تفاصيل دقيقة لا يعلم عنها احد إلا ما اظهر منها. فكثير من التطلعات فشلت بسبب التصريح بما نحمله من أفكار ومعالجات نعتقد أنها ضرورية. وبحكم القيادة فإن التصريح غير المدروس يربك العمل ويعجل بالفشل، لذا أتطلع أن تكون التصريحات المستقبلية مدروسة ومحكمة لا تحتمل التأويلات.
يا معالي الوزير إن وزارة التربية التي أنتمي اليها تفتقر الى أبسط المتطلبات المؤسسية، وهي وجود استراتيجية شاملة للوزارة، إستراتيجية تصحح الفهم للأهداف التي تسعى الوزارة بكوادرها لتحقيقها، استراتيجية تكن إطارا عاما للعمل ينشد منها الارتقاء بالإجراءات وآليات الإنجاز، استراتيجية تحتوي على مخرجات متوقعه وآليات قياس واضحة يبنى عليها مبدأ الثواب والعقاب.
الواقع المر أن لكل قطاع أولوياته -والتي بالضرورة تمثل أولويات مسؤوليه، بل وصل الأمر الى أن كل إدارة تسبح بتيارها الخاص، وكل مراقبة لها قوانينها التي تحتكم اليها. ففي علم الإدارة يقال «ان غياب النظم يبيح المزاجية»، وتلك الاجتهادات «المزاجية» أحد أهم عوامل الإرباك التنفيذي بالوزارة. وهنا نفكر بصوت مرتفع ما السبيل لتطوير دليل إجراءات واضحة للجميع؟ وما الطريقة التي نحقق فيها العدالة النسبية بكل أركان الوزارة؟
وهنا يمكننا القول ان السبب الرئيسي للفشل بمشاريعنا التطويرية -التي لا أشك أنها مميزة- هو غياب الاستراتيجية الموحدة المتبوعة بآليات عمل واضحة وخطط تنفيذية مدروسة وتوزيع للأدوار محكم.
وما نحتاجه بميداننا التعليمي بمنظومتنا التربوية هو إعادة النظر بأهدافنا التعليمية، إعادة النظر بفلسفتنا، بطريقة أدائنا، إعادة النظر في إجراءاتنا وان نفكر خارج الصندوق.
ان من الملاحظات المهمة بوزارتنا هو غياب احد اهم الإجراءات الأساسية لكل المنظمات التنفيذية. ومن المعلوم ان لب العمل بالمؤسسات العامة وأهم الأدوار لقياداتها يتمثل في اتخاذ القرارات. والقرارات تتخذ بعد سلسلة من الإجراءات المؤصلة تأصيلا علميا وتسمى «إجراءات صنع القرار»، وكل قرار يجب ان يصنع قبل اتخاذه، من خلال دراسة البدائل والحلول بصورة معمقة ينتج عنها اختيار أفضل للبدائل المتاحة. إن من جوانب القصور المؤسسي -بوزارة التربية- خلال الخمس سنوات الماضية يتجسد في غياب إجراءات صنع اغلب قراراتنا التربوية. لذا حتمية وجود مركز لصنع القرارات ملحق بمكتب معالي الوزير، ويكون من أهم مسؤولياته التأكد من إجراءات صنع القرار ومتابعة اتخاذه ويكون مرجعا أساسيا للوزارة بما يتخذ من قرارات تنفيذية بحتة.
أعلم كما تعلم معاليك ان مثل هذه التطلعات تتطلب تعديلات تشريعية وموافقات أولوية تفتح بابا للتدخلات السياسية وللتجاذبات المجتمعية. لكن هل فكر د.بدر العيسى في التغيير؟ هل يعلم دكتورنا الفاضل ان البصمة الحقيقة لا تحدث الا بإحداث التغيير؟ ان القادة المخلدون في تاريخ البشرية هم أولئك الذين صنعوا التغيير وليس سواهم. فهل يرغب دكتورنا القدير في ان يمارس دورة الوطني وينقذ واقعنا ومستقبلنا بمعالجات مدروسة؟
يا معالي الوزير، ان الفكر المستنير والالتزام الجميل من معاليكم بالخطط الإجرائية والتنفيذية يسجل لصالحكم. لكن هناك حلقة مفقودة يمثلها غياب فريق العمل من حولكم وهو أهم متطلبات النجاح المؤسسي. يا معالي الوزير، انت تحتاج فريقا مساندا لك سياسيا، فانت تشغل منصبا سياسيا بالدرجة الأولى، في بلد تأصلت الممارسات السياسية بين أركانه، تحتاج الى ان تفرغ نفسك من الأعباء الإدارية وتركز على الخطوات الاستراتيجية للارتقاء، فالكويت وأبنائي يحتاجون الى من يسعفهم بمنظومة تعليمية تحقق مخرجات يتوافر فيها الحد الأدنى من متطلبات هذا العصر.
ان الجرح أعمق من مسؤوليات وزارة التربية، بل هو أعمق من ان يناقش في مقال متواضع. نحن وباختصار يا معالي الوزير نواجه مشكلة اجتماعية واقتصادية وأمنية خلال العشر سنوات القادمة، وما يتخذ من قرارات الآن سينعكس على مستقبل أجيالنا.
ولا يخفى عليك أننا بعالم مغاير بمجرياته ومتطلباته لما كان عليه العقد الماضي، ولعل علمكم ان الكويت بحاجة لخلق فرص وظيفية لأكثر من 600 ألف كويتي خلال الـ 15 سنة المقبلة، يشكل هاجسا لديك، ولا اشك في وطنيتك وحرصك الأخلاقي على هذا المجتمع. يا معالي الوزير، نحتاج التغيير، نحتاج التغيير، نحتاج التغيير، نحتاجه لمستقبل افضل للكويت ولاقتصادها ولأمنها، لذا أتمنى ان يحظى المشروع بقانون بشأن تعديل قانون إنشاء المجلس الأعلى للتعليم باهتمامك الشخصي فقد بالغنا بدراسة تلك التغييرات ونحتاج ان نراها على ارض الواقع.
رسالة لمعاليك أرسلتها سابقا، وأرسلها لك الآن «لا تتوقع ان يأتي الحل ممن أوجد المشكلة»، فالمشكلة لا وجود لها ان حلت قبل ان تلفت الأنظار اليها. ان تطبيق مبدأ الثواب والعقاب كفيل بأن يهذب ممارستنا ويقوم سلوكياتنا كموظفين بأهم منظمة حكومية، لذا أتطلع الى ان يتم طلب تقرير أداء لكل قطاع مقسم على الإدارات ومن ثم المراقبات ومن ثم الأقسام، وأن تتاح تلك التقارير للعامة لتحقيقه مفهوم اختبار صدق المعلومات الواردة وأن يكون هناك قناة واضحة للجميع لإيصال ملاحظاتهم على تلك التقارير، ومن ثم يطبق المبدأ الالهي على كل متخاذل من موظفي الوزارة. والله من وراء القصد
http://qut.academia.edu/dralsharija