Note: English translation is not 100% accurate
المقلدون للفن
الأحد
2006/9/10
المصدر : الانباء
عدد المشاهدات 1912
بقلم : محمد يوسف
محمد يوسف
يتحدث كثيرون عن أزمة في الفن العربي، ويفرطون في التشاؤم حين يصورون انها أزمة في الجذور الثقافية التي يستقي منها هذا الفن مضمونه وفحواه، ويصل الأكثر تشاؤما بهذه الأزمة الى حد الإفلاس، معددين المثالب التي تهيمن على الفن العربي ـ من وجهة نظرهم ـ بين سطحية وضحالة، وانعدام هوية، او تذبذبها على الأقل، وفقدان الرؤية التنويرية والموقف الاجتماعي.
ولا شك ان هذه النظرة «الانتقادية» للفن العربي ـ على اجماله ـ تتضمن الكثير من الصواب، حيث يتحمل الفن مسؤولية إثارة الوعي الاجتماعي في الوطن العربي بخريطته الواسعة والممتدة من المحيط الى الخليج، بما لا يتعارض مع خصوصية كل قطر على حدة، نظرا الى الاختلافات الطفيفة أو الكبيرة بين كل بيئة واخرى، وبين كل مجتمع وآخر.
لكن الأمر المهم ايضا ان هذه النظرة السلبية للفن وخاصة فن الدراما السينمائية والتلفزيونية على سبيل المثال ـ انما تنظر الى النصف الفارغ من الكوب، بينما تغض الطرف عن كثير من الايجابيات والمزايا التي تظهر هنا وهناك على الساحة العربية، وهي قد لا تكون بالغزارة التي يتمناها البعض، لكنها ـ مع ذلك تبث الأمل في إمكان تطور الفن العربي وتجاوزه للواقع ـ المتكاسل والسطحي ـ الذي يمثل الجانب الأكبر من الانتاج الفني العربي.
فالجميع يعرفون أن الفن هو مرآة للمجتمع، ومن ثم فإن الفن العربي لا يمكن أن ينتظر منه أن يعكس قضايا مجتمع آخر، أو ينقل واقعا لبيئات مغايرة، ولكن النظر الى الفنون ـ وخصوصا الدراما ـ على انها مرآة، لا يعني انها تقلد ما يجري في المجتمع بصورة مطابقة للواقع، فهذا ليس من وظيفة الفن، ولا من أهدافه، وإلا فقد رسالته وغاب عن دوره الاجتماعي المأمول منه، فالفن أداة لتغيير الواقع، والانتقال به الى خانة الأفضل والأكمل والأكثر انفتاحاً على روح العصر، وقضاياه المعقدة، وحركة الناس المتشابكة فيه، ومقاربة آلامهم وطموحاتهم ومعاناتهم في الواقع المفعم بالمعاناة والقلق والتوتر الدائم.
ولأن الناس ـ في عمومهم ـ يجب أن يشاهدوا أنفسهم وآمالهم وصورة حياتهم في العمل الفني، فإنه يتعين على الفن أن يضطلع بدوره في القاء الضوء على مشكلاتهم الحياتية الحقيقية، متعقباً خيوطها حتى الجذور، لكي يضع الانسان في مواجهة ذاته، فاتحا أمامه طريق التنوير والتغيير، لتجاوز واقعه انطلاقا من الوعي بما يدور حوله وما يكتنف مجتمعه من قضايا ومشكلات.
ولعل هذا الدور المهم لفنون الدراما هو ما نفتقده في الانتاج السينمائي والتلفزيوني العربي، بمجمله، حيث تغلب عليه الصفة الترفيهية وطابع التسلية الذي يشيع في معظم أفلام الكوميديا التي تعاني من السطحية والتعجل والاعتماد على الاضحاك الساذج النابع من «النكت» اللفظية، دون ان تؤثر في نمو الأحداث، أو تضمها رؤية ناضجة، أو صورة فنية راقية، وكأن الفنانين والمسؤولين عن الانتاج الفني في عالمنا العربي يتناسون أن الدراما شديدة التأثير على الناس، الذين يتعلقون بالنجوم ويتأثرون بحركتهم من خلال الأحداث، فإذا كان الفن ينقل حركة الناس في المجتمع، ويبث أفكاره ورؤاه عبر هذه الحركة، فإنه على الجانب الآخر يجب أن يكون واعيا الى رسالته التي تؤثر في الناس الذين لم يعودوا يتأثرون به فحسب، بل ان هناك شرائح من المجتمع تقلد ما يحدث على الشاشة، وتتقمص حركة النجوم وسلوكهم في الأعمال الفنية، فالمراهقون مثلا ـ وكلنا نشاهد ذلك ـ يلبسون ويتحركون في الطريق ويتحدثون مع الآخرين، بل ويختارون ملابسهم، حسب ما يرونه من النجوم الذين يروقونهم، وهو الأمر الذي يلقي بمسؤولية جسيمة على الفنانين أنفسهم، الذين يمارسون تأثيرا أقرب إلى السحر في الجمهور، الذي تبدو فئات كبيرة منه وكأنها تقلد الحياة الافتراضية على شاشة التلفاز أو السينما.
اقرأ أيضاً