يكاد لا يوجد في الكويت بيت لا يعاني من مشاكل الخدم، بل لن أكون مبالغا إذا ما قلت إن مشاكلهم باتت كالقنبلة الموقوتة، التي قد تنفجر في أي لحظة، لتعصف بأركان المجتمع، وتهدد أمنه واستقراره.
عندما نحاول البحث في مشاكل الخدم وأسبابها وسبل علاجها فسنجد أنها عبارة عن مشاكل متشعبة، خلقتها لنا الرقابة الضعيفة، وفاقمت منها مكاتب العمالة المحتكرة بيد فئات محددة حتى صارت كالمافيا، التي تتآمر على المجتمع، وفي النهاية تدفع الأسر الثمن من قوتها واستقرارها وحياة أبنائها.
إذا ما أخذنا القضية من الناحية الاقتصادية فسنجد أن رسوم استقدام خادمة تصل في الوقت الحالي إلى نحو 1000 دينار لبعض الجنسيات، وإذا ما أردت لم تسعفك ميزانيتك، فعليك أن تقبل بأقل سعر، وهو يتعدى 400 أو 500 دينار لاستقدام خادمة جاهلة، لا خبرات لديها، ولا قدرات استيعابية تمكنها من التأقلم مع طبيعة الأسرة.
وهنا تبدأ ألاعيب المكاتب، حيث تتم توصية الخادمة بسرعة التذمر، ورفض العمل، ليعيدها الكفيل طالبا استبدالها، أو إرجاعها، ويضطر لتحمل نفقات جديدة، بينما يقوم المكتب ببيع الخادمة الأولى لكفيل آخر، ويحصل على العمولة أضعافا مضاعفة، وهناك علامات استفهام كثيرة حول مكاتب الخدم، حيث أصبحت حكرا على أشخاص معينة، مما ادى الى تمكنهم من التحكم في السوق والتلاعب بالأسعار، والمتاجرة بالخادمات البسيطات.
الإشكالية الأخرى تكمن في أن معظم الخادمات يأتين من بيئات فقيرة، وتنتقل الخادمة مباشرة إلى بيوتنا دون الحصول على أي دورات تدريبية أو نفسية، فيترسخ الحقد في نفسها، ويخرج على شكل انتقام في أشخاص الأطفال، أو حتى الكبار في صورة اعتداءات متنوعة، وصولا إلى إزهاق الأرواح، والقتل بدم بارد.
لن ننكر أن بعض الأسر قد تسيء معاملة الخادمات، أو تكلفهن ما يفوق طاقتهن، لكننا، في النهاية، لابد أن نبحث عن جوهر المشكلة، والسبل الكفيلة بحلها.
لماذا لا تضع الدولة قانونا متكاملا لتنظيم استقدام العمالة، يضمن حفظ حقوق جميع الأطراف؟ ولماذا لا ننشئ جهة مختصة تقوم باستقدام العمالة المنزلية، وفق معايير فنية محددة، وتتولى هذه الجهة كفالة العمالة، وتتابع الرواتب والإجازات؟ ولابد أن يشدد القانون العقوبات ضد من يأوي أو يشغل الهاربين من كفلائهم، وكذلك لابد من متابعة بعض السفارات، التي تشجع رعاياها على الهرب، وتقوم بإيوائهم دون حق.
أكثر ما يثير الأسى، عندما تهرب خادمة، فيسارع كفيلها إلى تسجيل قضية ليخلي مسؤوليته القانونية، ورغم ذلك فإن القانون المجحف يزيد من الإضرار به عند ضبط الخادمة الهاربة، حيث يقضي بتحميله تذكرة سفرها إلى بلدها، فأي عدل هذا؟ يخسر الكفيل ما أنفقه من رسوم على هذه الخادمة، ويتحمل رسوم استقدام خادمة بديلة وبدلا من تعويضه عن هربها الذي قد يكون مدبرا مع المكتب أو مع سفارتها، يذبحه القانون مجددا بنفقة التذكرة
• خلاصة القول: لا شك أن الجرائم المتتالية للخدم تكشف القصور في التشريعات، فضلا عن التهاون في تطبيق القانون، وتفضح المحسوبية في منح تراخيص المكاتب، وهي أمور إذا لم نتداركها سريعا، ستنفجر قنبلة الخدم في وجه المجتمع كله، وقتها لن ينفع الندم.
[email protected]
mmaldgaini@