من تونس، إلى مصر وليبيا واليمن، وحتى سورية.. السؤال واحد: لماذا كل هذا الفشل الذي يرافق ما يسمى بالربيع العربي؟
فبعد مرور أكثر من 3 سنوات على اندلاع أولى الثورات العربية في تونس ثم ما تلاها في مصر وليبيا واليمن وسورية.. والتخبط الذي لازم مساراتها وأحداثها.. والنتائج التي قادت إليها تلك التطورات، كان التعثر والتخبط عنوانا بارزا، ليس هذا فحسب لكنها أيضا كانت توحي في كثير من الأحيان بإمكانية التفكك والانهيار في بعض البلدان العربية.. ولهذا يبدو هذا السؤال مطروحا اليوم وبشدة من قبل كثيرين ممن يؤرقهم المشهد العربي الدامي.
العجيب في الأمر أننا عندما نسترجع الثورات العربية التي وقعت في العصر الحديث يرى كثير من المحللين أن نتائجها متشابهة، فهي دائما بعيدة عن طموحات وتطلعات الشعوب، بل جاءت على حساب أمنهم وقوت يومهم ومستقبل أبنائهم.. فلما كان الفشل الذريع ملازما لكل الثورات العربية أو على أقل تقدير لم تستفد منها إلا فئات قليلة، بينما عانت الطبقة الكادحة من ويلات تلك الثورات، رغم أن انطلاقها كان من أجل هذه الطبقات؟
يستلزم للإجابة عن هذا السؤال معرفة أن عملية التحول التي حصلت في أوروبا الشرقية، والانتقال من حكم استمر في هذه الدول لعدة عقود قد نجح بسبب وعي تلك الشعوب ومقدرتها على تخطي العقبات التي واجهتها، وعدم انزلاقها الى الفوضى أو الاقتتال والتنافس على السلطة إلا ضمن صناديق الاقتراع، لكن في دول «الربيع العربي» الوضع يختلف تماما، فالثورات أدت إلى الفوضى، ليس بسبب عدم جاهزية شعوب هذه الدول لتقبل لعبة الديموقراطية ونتائجها فقط، وإنما أيضا بسبب الأحزاب والقوى التي وصلت إلى السلطة ومحاولة فرض رؤيتها على المجتمعات.
ومما لا شك فيه أن الهدف الرئيسي من تفجير ثورات «الربيع العربي»، والتي بدأت عفوية، هو إقامة أنظمة ديموقراطية، وتحقيق العدل والمساواة ومحاربة الفساد بكل أشكاله. لكن بعد تغيير مسار هذه الثورات وركوبها من بعض القوى الداخلية والخارجية، فقدت هذه الثورات زخمها وتم تغيير أهدافها.
من أهم نتائج هذه الثورات هو وصول أحزاب الإسلام السياسي إلى السلطة التي خلقت حالة من عدم الرضا من قبل القوى المعارضة في مصر وتونس، وبلا شك أن القوى التي لم يسفعها الحظ بالوصول إلى السلطة في البداية تقبلت اللعبة الديموقراطية على أمل إفساح المجال لبناء نظام ديموقراطي يتميز بالتعددية السياسية وتداول السلطة.
أما عوامل الإفشال التي لعبت دورا كبيرا في إعاقة المسار الجديد في هذه الدول، ودفعت بأوضاع محبطة ومعطلة وبلا أفق أو مسار يمكن الاطمئنان إليه، فهي تعود بالدرجة الأولى لعوامل بنيوية داخلية، وما كان منها خارجيا فهو بالأساس لم يكن فاعلا لولا تلك البيئة الداخلية التي تملك الاستعداد للانخراط في مشروعات التعطيل ومراكمة دواعي التعثر.
بكل تأكيد لم تكن مؤامرات الخارج لتحقق مبتغاها لو كانت البيئة الداخلية سليمة ومتماسكة، تدرك أهمية تلك التغييرات في مستقبل بلادها، والأهم هو تطلع الأحزاب والفصائل أو حتى الأطراف الباحثة عن الحكم إلى مصلحة الشعوب ومستقبل السواد الأعظم من الناس.
حصون العرب تعاني من كثرة الثقوب التي تستوعب الانخراط في مشروعات خارجية قد تطفئ كل بصيص أمل في دخول العرب إلى قرن جديد بروح جديدة وأنظمة قادرة على استيعاب التحديات، لذا يجب علينا كعرب إدراك ذلك، وقطع الطريق على مؤامرات الخارج والداخل من أجل أمتنا، وأجيال المستقبل التي نأمل منها بناء أوطان نباهي بها الأمم الأخرى.
المحصلة التي يجب أن نعيها جميعا أننا بحاجة إلى تغيير ثقافتنا في التعاطي مع الشأن العام والمهم أن نولي المصحلة العليا للوطن الأولوية الأولى، وإذا ما حدث ذلك فسنتمكن من الوصول إلى الغاية السامية للحراك السياسي وهو الدفع قدما نحو إرساء العدل والمساواة، وتحقيق التمنية المبتغاة، وهو ما جاء في قول المولى عز وجل (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).