تبرع صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله، لإنجاز صيانة التكييف في المدارس أمر يؤكد اهتمام سموه الكبير بطلبة العلم وسعيه المستمر للارتقاء بمستوى أبنائنا الذين سيحملون شعلة التطور والتقدم لبلدنا الحبيب في المستقبل القريب، لكن هذه الخطوة رغم أنها أثلجت صدور أهل الكويت جميعاً تفتح ملف صيانة المدارس الذي لا تنتهي مشكلاته كل عام، كما تفتح أمامنا ملف التعليم كاملاً بما يحمله من شجون وآلام.
فلم أكن أتصور يوما أن تكون طوابير الطلبة في عدد من المدارس الخاصة كويتية بامتياز، وكأن الثقة في التعليم الحكومي صارت في حكم «المعدوم»، وليس أدل على ذلك من أن أصحاب الدخول المرتفعة من إخواننا المواطنين أصبح خيارهم الأول لتعليم أبنائهم ينصب في تسجيلهم بمدارس ذات صبغات أجنبية، وهذه المدارس أيا كان مشربها أو مسماها فإن الوطنية هي اللون الباهت فيها، أما ما تبقى من شرائح المجتمع فإنهم يلجأون إلى التعليم الحكومي لقرب مسافة المدارس أو لربما لأسباب اقتصادية.
ورغم أن هذه الظاهرة لم تكن موجودة في السابق، لكنها انتشرت بكثرة وبات واضحا للجميع هروب المقتدرين بعيدا عن المدارس الحكومية، وما يهمنا هنا هو أن نعلم السبب الذي يدفعنا إلى هذا التوجه، والوقوف على الإمكانات التي تمتلكها «المدارس الخاصة» لتضع التعليم الحكومي على الرفوف، هبوطا من مكانته التي يجب أن يكون عليها عمادا للتنمية البشرية.
لا شك أنه قد بات لدى الجميع صورة ذهنية جاهزة بأن التعليم الخاص أفضل من الحكومي، ولهذا الاعتقاد مبعثه وأسبابه العلمية والأدائية، وليست كما يدعي البعض أنه أمور شكلية وفرقعات إعلامية وتفاصيل غير مهمة، فأي شركة أو مؤسسة أو قطاع ينظر اليوم إلى مصدر الشهادة ويطلبون السيرة الذاتية بالتفصيل.
ولو سألنا أنفسنا عن أسباب إقبال الناس على المدارس الخاصة، فسنجد أنها كثيرة ومتنوعة، ومن أهمها تدني مستوى المدارس الحكومية لدرجة أنها لا تعطي الطالب حقه التام من الدراسة والاهتمام والمتابعة، ناهيك عن الأعداد الكبيرة للطلبة في الصف الواحد واكتظاظهم، مقارنة بأعداد لا تتجاوز الـ 20 طالبا في «الخاص» تحت مسمى الفصل النموذجي، أو إلى 10 في بعضها، ما يعني أن الاهتمام في «الخاص» أفضل والتركيز لديهم أعلى والنتائج أكثر جودة.
أما المواد والمقررات فهي متنوعة في «الخاص»، ومعظمها باللغتين العربية والانجليزية، وهذا محفز كبير لتكون اللغة الثانية أقوى وأفضل لدى الخريجين، وبالتالي يكون خريج «الخاص» قادرا على التحدث باللغة الانجليزية بطلاقة وهو ما يطلبه ويحتاج إليه سوق العمل.
وكل ما ذكرته هو حقائق واقعية، يؤكدها ويعززها في هذه الأيام سعي فئة كبيرة من الناس إلى تحمل أعباء مالية وأحيانا يتحملون ديونا لتعليم أبنائهم في المرحلة الابتدائية في «الخاص»، ليس بهدف المظاهر والغيرة والحسد، وإنما لاعتقادهم أن مستقبل أبنائهم ينطلق من هذه المرحلة.
ما يحز في النفس هو أن الحكومة ترصد سنويا مليارات الدولارات للتعليم المجاني في مدارسها، لكن مع ذلك لا يوجد استثمار حقيقي في التعليم لينافس الخاص، هذه الأموال باختصار تنفق ولكن ليس بالصورة الصحيحة.
وقد استوعب بعض التجار أن هناك قطاعا استثماريا مهما هو التعليم فانطلقوا يتنافسون فيما بينهم لاستقدام أفضل الأساتذة والمتخصصين والخبراء في المجال التربوي والتعليمي، واستطاعوا جني مبالغ خيالية خلال سنوات معدودات، والأدهى والأمر أن الحكومة قدمت لهم التسهيلات اللازمة ومنحتهم الرخص لمدة تصل إلى 20 عاما قابلة للتجديد، ولم تهتم سوى بإلزامهم بدفع إيجار شهري للبلدية حوالي 5.5 آلاف دينار.
وتشير الإحصاءات إلى أن الكويت بها نحو 100 مدرسة خاصة بما تضمه من فروع تابعة لها، يلتحق بها أكثر من 100 ألف طالب وطالبة مقابل 257 ألفا يدرسون في المدارس الحكومية، وأمام الأقساط المرتفعة والتي تتفاوت بين مدرسة وأخرى، فإن أرباح المدارس الخاصة تتراوح بين 1.5 مليون دينار و10 ملايين، أي أن المتوسط هو 5 ملايين دينار تقريبا، هذا بخلاف الأرباح المهولة إذا اتجهنا إلى المعاهد والجامعات الخاصة.
وما يثير المزيد من علامات الاستفهام أننا سمعنا أن بعض مسؤولي التعليم لديهم مدارس خاصة أو هم شركاء فيها، وهذا يعني أنهم يضعون خبراتهم كلها في الاستثمار التعليمي، فلماذا لا يكون للحكومي نصيب منها، والأمر تحول إلى تجارة، حتى بتنا نظن أن الدولة تتعمد إهمال التعليم الحكومي لمصلحة المنتفعين من المدارس الخاصة.
في النهاية إن جل اهتمام أولياء الأمور هو أن يكون أبناؤهم على قدر عال من التثقيف، وأن يفتح لهم سوق العمل أبوابه بعد تخرجهم، ورغم أننا لا نقصد التحريض على المدارس الخاصة، إلا أننا ندعو مسؤولي الدولة إلى التعرف على التجارب الناجحة وتقليدها، فلدينا قرابة 400 ألف طالب سنويا، وبالتالي لابد أن يتم استثمارهم بشكل جيد ووضع المليارات من الدولارات في خدمتهم!
[email protected]
mmaldgaini@