المتابع لبرامج التوك شو في القنوات الفضائية، التي يملكها رجال أعمال مبارك والفضائية المصرية التي من المفترض ان ملكيتها للشعب المصري الا انها أصبحت بقدرة قادر ملكا لرجال الحزب الوطني المنحل، يلاحظ ان معظم الضيوف الذين تستضيفهم البرامج هم نفس الضيوف الذين اعتدنا على مشاهدة سخافاتهم وجهلهم وحقدهم اللامتناهي على الإخوان المسلمين ومرشحهم الذي فاز برئاسة مصر وأصبح أول رئيس منتخب في تاريخ مصر.
فهؤلاء الضيوف، بمساعدة المذيعين الأوفياء للنظام البائد، يصولون ويجولون اليوم في هذه الفضائيات بعد نجاح د.مرسي ووصوله الى قصر الرئاسة بالتفاف الجماهير الثورية خلفه والتصويت لصالحه، وليس الإخوان المسلمين فقط. فنرى الكثير من هؤلاء الضيوف يدّعون العبقرية السياسية وكل منهم يدلي بدلوه وكأنه عبقري زمانه والمذيع او المذيعة تمتدح عبقريته الفذة وكأنه قد أعاد اكتشاف الذرة او الجاذبية الأرضية من جديد وهو يقول بمنتهى البلاهة: «نرجو أن يكون ولاء مرسي لمصر وليس للإخوان المسلمين، ندعوه أن يجعل مرجعيته في السياسة والاقتصاد هي مرجعية مصر وليست مرجعية المرشد العام، لن نرحم مرسي إذا تأخر في تنفيذ ما وعد به، هل سيمد مرسي يده لأي امرأة أجنبية ليصافحها أم انه سيمتنع عن مصافحة النساء الأجنبيات ويهدد الوضع السياسي في مصر الجديدة بالانهيار؟ لن نسكت على اي تقصير في الأداء مهما كان تافها»، لن ولن ولن.. الى آخر التحذيرات التي يلقون بها كالبلهاء على مسامع العالم وهم يدعون أنهم مفكرون ومحللون سياسيون لم تأت مصر بمثلهم.
ان هؤلاء القوم يتربصون بالرئيس الجديد الذي جاء من رحم الشعب المصري الأصيل وكأنه جاء من كوكب آخر، لماذا؟ لأنه لم يكن جزءا من النظام البائد الذي ظلم مصر والمصريين لستة عقود متتالية، ان هؤلاء المتربصين بمرسي لم يعطوه فرصة حتى الآن لكي يبدي ما عنده، لقد جلسوا في العديد من البرامج وهم يحللون خطاب الرجل عقب اعلان فوزه بالرئاسة وهم يؤكدون على ان الخطاب جاء دون المستوى الذي توقعوه وكان لا بد من كتابة الخطاب وقراءته قبل إلقائه حتى لا يتضمن عبارات وألفاظا غير مألوفة في الخطاب الرئاسي.
أهذا هو ما يجيده هؤلاء المحللون السياسيون العباقرة؟ أهذا هو أقصى ما يملكون من فكر وثقافة سياسية؟ أهذا هو ما ينبغي أن نستمع إليه من النخبة السياسية كما يطلقون عليهم في مصر؟ هذا والله أمر عجيب.
أين كان كل هؤلاء العباقرة من مبارك ونظامه ولماذا لم نكن نسمع منهم هذه الآراء العبقرية أيام المخلوع؟ إذا كان هؤلاء المحللون بالفعل مخلصين وينشدون مصلحة مصر فلماذا تركوا النظام البائد يفعل بمصر ما فعل وهم يتفرجون؟ أم انهم اليوم يشحذون السكاكين على رجل اختاره الشعب ليكون رئيسا لمصر على عكس من فرض على مصر كرئيس لمدة ثلاثين عاما.
ان د.مرسي اليوم هو رئيس لكل المصريين ولكي نطالبه بالوفاء بما وعد به لا بد ان نعطيه الفرصة لكي يعمل أولا، فليس من المنطقي او العدل ان نطالب الرجل بالوفاء بما وعد به وهو بعد لم يقسم اليمين الدستورية كرئيس للبلاد، ولا بد ان يعلم هؤلاء العباقرة ان د.مرسي لم ينجح كرئيس لمصر فقط بأصوات الاخوان المسلمين ولكن بأصوات الثوار وكل أطياف المجتمع من يساريين وليبراليين وعلمانيين بالإضافة الى الإسلاميين، وقد أقر الرجل بهذا في أول خطاب له وقرر ان الفريق الرئاسي سيشمل كل القوى السياسية لأنه رئيس لكل المصريين.
وأنبه هؤلاء العباقرة ان د.مرسي التزم بما وعد به لأنه جلس مع جميع القوى السياسية وقد توصلوا الى شبه اتفاق على شكل الحكم في المرحلة القادمة وهو التزام لا يسيء للرجل بل يدل دلالة قاطعة على صدقه وثقته في نفسه لأن الرجل الحر لا بد ان يعترف بأن المرء بإخوانه.
أما عن المشكلة التي تؤرق الجميع اليوم بالنسبة للرئيس وهي مشكلة حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية والقول بأن الرئيس إذا حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية طبقا للإعلان الدستوري المكمل، او «المكبل» كما يسمونه، سيكون محل انتقاد من الثوار ولن يسامحوا مرسي عليه فأرد وأقول ان المجلس العسكري قد أصدر هذا الإعلان الدستوري بقصد تكبيل الرئيس القادم وقام بتمثيلية حل مجلس الشعب لنفس السبب.
ولو كنت مكان الرئيس لجلست مع الثوار في ميدان التحرير وعرضت الأمر عليهم وأقنعتهم بقبول الأمر وتأدية اليمين أمام المحكمة الدستورية ثم أقلب الطاولة على رؤوس هؤلاء المكبلين عندما تستتب الأمور في مصر بعد انتهاء الجمعية التأسيسية من اصدار الدستور الجديد وألغي كل ما تم اتخاذه من قوانين واعلانات دستورية كان الهدف منها «تكبيل» الرئيس القادم بالانتخاب.
[email protected]