إن هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها مادحا للإخوان أو للدكتور محمد مرسي وليس هذا من باب التقصير فيما مضى أو محاولة التقرب اليوم ولكن شهادتي في الإخوان المسلمين مجروحة كما أن الكتابة عنهم وعن تاريخهم ونضالهم نوع من المدح الذي لا أجيده.
نعود للدكتور محمد مرسي الذي أعاد لنا الإحساس بالزهو والفخر كمصريين بعد أن سيطر علينا الذل والهوان لثلاثين عاما متتالية هي عمر حكم المخلوع لمصر التي كانت عظيمة فجعل مبارك أهلها أذلة يستضعف أبناءها ويستحل أموالها ويبعد عقولها ويقرب من الحكم من لم يرحمها.
لقد أعاد د.مرسي للمصريين في أول يوم لتوليه الرئاسة جزءا كبيرا من كرامتهم التي داسها المخلوع وعصابته بأقدامهم، وأعاد لنا هيبتنا أمام المجتمع الدولي في أول رسالة نطق بها لسانه وكانت خارجة من قلبه ولم يقرأها من ورقة وإنما خرجت من فمه بتلقائية الواثق الذي لا يخاف في الله لومة لائم.
أثناء إلقاء د.مرسي لخطابه أمام الحشد الهائل في جامعة القاهرة ثم في حضور كبار ضباط القوات المسلحة في الهايكستب أثناء تسليم المجلس العسكري للرئاسة للرئيس المنتخب، شعرنا بالفخر والعز والقوة التي كنا نفتقدها منذ سنوات طويلة. قلت لمن حولي وأنا أستمع إليه: هناك دول وحكومات الآن ترتعد أوصالها من مثل هذا الخطاب الذي يخرج من القلب ويجد صداه فورا لدى المتلقي.
لقد كان رد فعل الخطابين قويا من الحضور في الاحتفالين. وقد شعرنا بأن كلام الرجل قد وصل إلى المستمعين فورا وبلا انتظار للتحليل أو التهليل. لقد خرج التصفيق والهتاف من المستمعين لمرسي بالفعل من القلب ولم يرتب له كما كان يرتب لمثل هذه اللقاءات مسبقة الدفع.
إن د.محمد مرسي واحد من مئات الآلاف من الإخوان المسلمين الذين حوربوا وعذبوا وقتل منهم من قتل واعتقل منهم من اعتقل وعذبوا جميعا بلا استثناء في عهود الظلام التي عشناها على مدى ستين عاما من الظلم والقهر. هؤلاء هم الإخوان المسلمون الذين ساقهم المجرمون إلى السجون والمعتقلات وأعدموا منهم العلماء والفقهاء والأدباء والمفكرين لا لشيء سوى أنهم قالوا «ربي الله».
إن محمد مرسي مجرد نموذج واحد من عشرات الآلاف من النماذج المشرفة التي يمكن أن تخرج من جماعة الإخوان المسلمين. ورغم هذه العبقرية الفذة التي ظهرت من خلال خطبه التي ارتجلها خلال اليومين الماضيين إلا أنني أتوقع منه المزيد والمزيد من العبقرية في الأداء وحسن التفكير والتدبير.
ورغم كل هذا الذي رأيناه بأم أعيننا فمازال هناك مشككون ومتشككون وهناك من الفلول من يشككون في قدرات الرجل الذي بدأت عبقريته في الأداء تظهر من أول لحظة. ورغم أنني متوقع معظم ما يدور بخلد الرجل وأستطيع أن أخطه بقلمي هذا في مقالي إلا أنني لا أريد أن أحرق أفكاره أو أتعجل الأحداث أو أسبب له حرجا إذا كشفت ما يدور في خلده من أفكار تصب جميعها في صالح مصر. فالرجل مصري صميم ومصر بالفعل في قلبه وعقله وهذا الأمر واضح وضوح الشمس في كل كلمة يقولها وكل نسمة يتنسمها.
إن مصر أيها السادة قد اختارت أخيرا رئيسا مصريا مدنيا عبقريا يحكمها بدلا من العسكريين الذين لا يفهمون السياسة جيدا ورغم ذلك حكمونا ستين عاما فكان حكمهم وبالاً علينا وأدى هذا الحكم العسكري إلى رضوخ مصر لكل من هب ودب وأصبح المصري مهانا داخل مصر وخارجها وأصبحت المناصب العليا في مصر من نصيب المنافقين والمطبلين والمهللين وأصحاب المصالح، أما أصحاب العقول والفكر المستنير فكان السجن أو النفي مكانهم الطبيعي.
آن الأوان يا حسن البنا أن تستريح في قبرك بعد أن أصبح أحد أبنائك رئيسا لمصر، آن الأوان لك يا والدي أن تستريح في قبرك بعد أن حبست واعتقلت ظلما وعدوانا، آن لأوان لأن أترحم عليك وعلى إخوانك الذين تركوا عالمنا إلى عالم الحق الذي لا يظلم فيه إنسان.
آن الأوان لأن أقول رحم الله من مات من الإخوان ومن قتل ومن شنق في سبيل الله والدعوة. فاليوم يوم فرح لأبنائهم وأحفادهم الذين عاشوا ينتظرون يوم القصاص العادل. وقد جاء القصاص العادل اليوم بأن يصبح د.محمد مرسي رئيسا لمصر ومكانه في قلب كل مصري ومكتبه في القصر الجمهوري بينما المخلوع أصبح محكوما عليه بالحبس المؤبد ومكانه في سجن طرة تصديقا لقول الله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير).
[email protected]