تعاني مصر بعد ثورة 25 يناير من مشكلات اقتصادية وديون متراكمة وتدن في سعر العملة ونقص في السيولة، وكلها مشكلات صنعها نظام حكم فاسد جثم فوق صدر مصر لستة عقود متتالية لم يتوقف خلالها الفساد المالي والاداري ولم يتوقف نزيف السيطرة على موارد البلاد والاستفادة منها لصالح الحكام ومن والاهم الى اقصى درجة.
وحل هذه المشكلات يكاد يستعصي على كل الخبراء الاقتصاديين والسياسيين حتى ان مصر اضطرت للجوء الى اقتراض حوالي خمسة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، وما ادراك ما صندوق النقد الدولي؟!
ان موافقة الصندوق على منح مصر قرضا بفائدة لا تتعدى 1.6% او كما سماها البعض مصاريف ادارية، بعيدا عن مدى اعتبار القرض بهذه الفائدة حلالا ام حراما، يعني ان مصر ستقع تحت رحمة قائمة من الاوامر من الصندوق قد تصل في ادناها الى رفع الدعم عن السلع الاساسية، مما يهدد السواد الاعظم من الشعب المصري بمزيد من المعاناة.
وقد سمعنا جدلا واسعا عن مدى توافق هذا القرض مع الشريعة الاسلامية وأدلى كل بدلوه في هذه المسألة حتى يبينوا للناس ان القرض بهذه الفائدة في حالة الضرورة القصوى لا غبار عليه مستشهدين بأن الله تعالى قد احل الميتة والدم ولحم الخنزير في حالات الضرورة عندما قال جل وعلا: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه).
وأنا هنا لا اناقش ما اذا كان القرض حلالا ام حراما، وانما احاول بقليل من المنطق ان اساعد اولي الامر على تخطي مسألة القرض بكل ما فيه من مميزات وعيوب ونبحث عن وسيلة اخرى نوفر بها احتياجات مصر من الاموال التي تساعد على حل مشكلاتنا.
وبالنظر الى ظروفنا العامة منذ قيام ثورة 25 يناير حتى اليوم نجد ان اموال مصر التي تم نهبها من خزينة الدولة ومن بيع اراضي الدولة بأبخس الاثمان لصالح النخبة الحاكمة التي لم يكن لديها وازع من دين او ضمير تعد بمئات المليارات، ولو استطعنا اعادة هذه المليارات من اولئك اللصوص فسنتمكن من توفير ما نحتاجه لبدء التنمية دون الحاجة الى الاقتراض او مد اليد لكل من هب ودب.
فليس هناك من امل في ان يفصح نزلاء سجن طرة عن حقيقة ثرواتهم وأين اخفوها وبأسماء من بل يبدو انهم قد استسلموا للسجن وشعروا فيه بأنهم في مكانهم الطبيعي وآلوا على انفسهم ان يتحملوا هذه المعاناة البسيطة مقابل ان يتمتع ذووهم بما نهبوه من اموال، اما من هربوا بأموالهم مثل المدعو حسين سالم ويوسف بطرس غالي ورشيد محمد رشيد فلن يستطيع احد ان يعيد ما نهبوا من اموال لانها الآن في احضانهم وهم في دول تعينهم على ما فعلوه.
سيقول البعض: لقد بدأ التحرك بالفعل في هذا الاتجاه لاستعادة الاموال المنهوبة من الخارج، وأرد على هؤلاء بأن هذا التحرك سيطول لان الاجراءات المتبعة في هذا الشأن بطيئة جدا وتحتاج الى شهور او ربما سنوات حتى تثبت لبنوك العالم التي اودعت فيها اموال مصر المنهوبة ان هؤلاء المودعين قد سرقوا اموال مصر وقاموا بتهريبها الى بلادهم.
فما الحل اذن؟ هناك حل بسيط ورادع وأعتقد انه لن يخيب ولن يتأخر، الا وهو رصد كل الاموال التي قام بنهبها المسؤولون السابقون من خلال مئات القضايا التي تم رفعها ضدهم والبحث عن المستفيد من هذه الاموال سواء كانوا زوجاتهم او ابناءهم او اخوانهم والبحث في ارصدتهم ومطابقة هذه الارصدة مع ما كانوا يمتلكون قبل وصول ذويهم الى تلك المناصب، فاذا وجد ان هذه الارصدة فاقت المنطق يتم القبض عليهم وايداعهم في السجون خاصة النساء اللاتي تم فتح حسابات خاصة لهن وايداع معظم هذه الاموال المنهوبة فيها.
ولنأخذ مثالا على ذلك، زوجة الرئيس المخلوع سوزان وزوجتي ولديه هايدي وخديجة، فماذا تتوقع اذا تم القبض عليهن وايداعهن في سجن القناطر كمشتركين في جريمة نهب هذه الاموال بعد ان ثبت بما لا يدع مجالا للشك ان ثروة مبارك وصلت الى 70 مليارا وثروة جمال 71 مليارا كما جاء في تحريات جهاز المخابرات العامة المصرية مؤخرا؟!
أعتقد ان سوزان وهايدي وخديجة لن تتحمل اي منهن ان تبيت ليلة واحدة على برش سجن القناطر للنساء بل ستبادر كل منهن بالتنازل عما لديها من ارصدة وتسارع الى توكيل الحكومة المصرية في سحب جميع الارصدة الخاصة بها في الخارج، وأعتقد ان هذه الارصدة كما قلت ليست بالقليلة ولكنها ستحل معظم مشكلات مصر الخانقة في هذه الايام، فلماذا لا يتم التحقيق فورا مع المستفيدين من هذه الاموال بدلا من تركهم يصولون ويجولون كما يشاءون وكأنهم لم يرتكبوا جريمة.
[email protected]