المنطق يفرض واقعا حقيقيا لا مفرّ منه في السياسة، وأنها لغة أفعال وليست أقوال فقط، وان تفعل ما تقول دون مخالفة او حتى تأجيل، حتى لا تكون اقوالك حبيسة الادراج، كمن قال، و«توهق» فيه!
المصداقية السياسية تعزز من قدراتك وتؤكد أنه لا شيء يعلو فوق همتك!
هذا بالنسبة لرجل السياسة الفرد، فماذا لو أسقطنا هذا الأمر على حكومة تتكون من رئيس وزراء ووزراء ويعاونهم جيش جرارمن الوكلاء والوكلاء المساعدين والمديرين والمراقبين وجيش آخر من الاداريين والفنيين.. الخ!
ومعهم ميزانية مهولة وامكانيات بشرية هائلة ومدربة، هذا بالاضافة إلى وجود مجلس منتخب يشرع ويراقب تنفيذ تلك التشريعات!
ومجالس بلدية والكثير من مجالس النقابات والاندية والجمعيات.. إلخ، يشاركون بالقرارات والخطط والمقترحات!
في مجمل العمل السياسي وفي اي بلد تكون الحكومة هي لاعبة الأفعال الأولى، بل وفي بلدان أخرى لا تعتد بالديموقراطية وفصل السلطات تكون اللاعبة الوحيدة على الإطلاق!
ومن الطبيعي والطبيعي جدا أن تقول الحكومة ولها أن تقول ما تشاء وبشرط أن تفعله إن هي قالته بالطبع!
في البيت البسيط إذا رب الأسرة لا يفعل اقواله تضيع هيبته!
وبالتالي يفقد احترامه بين أفراد أسرته!
والحكومة هنا هي رب البيت الكبير، هذا البيت الذي يحوي مواطنين يستحقون أن تدار أمور حياتهم بيسر ومقيمين من شتى بقاع العالم هم يستحقون ذلك أيضا!
ولست هنا بصدد أن أتحدث عن فتى مقبل على الحياة، وأذكره بأن من علامات المرجلة أن تفعل ما تقول!
ولكني هنا اتحدث عن جيش جرار من الرجال عليهم أن يفعلوا ما قالوا وكل من موقعه!
هنا لا أتحدث عن ناشط سياسي، يحاول الوصول لمبتغاه وينصحه من ينصحه في اللف والدوران وتدارك الأمور قدر المستطاع، وحتى الوصول لأهدافه، وكيفية حصوله على الاسم اللامع أولا وبشتى الطرق!
هنا أتحدث عن رجال وصلوا وتقلدوا مناصبهم سواء بالتعيين او بالانتخاب او حتى بالاختيار!
وهم لم يعودوا بحاجة لأحلام الناشط ذاك وبدايات فتى عاشق للسياسية قد يضيع من استشارة هوجاء أو يلمع من نصيحة صادقة!
هنا أتحدث عن رجال أمامهم مسؤولية كل شيء وأي شيء بمسؤولية تقلدوها ويحتاج تفعيلها من أبسط حتى أكبر مواطن!
اتحدث عن رجال نذروا انفسهم للخدمة العامة التي لا تفرق بين هذا وذاك!
رجال يتوقع منهم الفعل يتلوه الفعل لا القول يتلوه قول!
رجال اقسموا على احترام القانون وانظمة الدولة!
في الحقيقة أستغرب أن يخذل الناس ممن منحت لهم شرف خدمتهم، واستغرب أكثر من إهماله ولهثه وراء مصالح خاصة لا تتعدى إدخاله في إثم وظن وريبة!
وفي النهاية سينتهي عمله يوما ما وسيكون مثلهم واقل منهم أحيانا، جالسا في بيته لا يملك من امره شيئا!
فهل يريد ان يذكروه بخير أم بسوء؟
يحكى ان أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان وهو في فراش الموت سمع صوت أحد الباعة في السوق وكانت داره قريبة منه ينادي على بيعه فسأل: من صاحب الصوت؟ فقيل له: هذا القصاب.
فقال: ليتني كنت قصابا في السوق ولا توليت هذا الأمر!
وللأسف إن معظم النهايات تتم بهذه الطريقة المقززة والتي بالطبع لا يتمناها أحد لنفسه، ولا لمن يحب وحتى لمن يكره!
لو كان المطلوب من كل مواطن أن يكون خفيرا!
فعلى ذلك فالمطلوب من كل مسؤول أن يكون أمينا!
ولا تتقدم أي دولة بمواطنيها وانما تتقدم أولا بمسؤوليها، ولا يحترم قول دون فعل، ولو ادركنا الغاية لسهلت لنا الوسيلة!
بالمختصر المفيد: «لو أدركنا الغاية لسهلت الوسيلة!».
law_alsaidi@
[email protected]