الحرب في سورية واختيار روسيا التدخل العسكري المباشر له مدلولاته على ضعف الجيش النظامي السوري وهزائمه المتواصلة وعدم مقدرة ميليشيا الحشد الشعبي المدعومة من إيران وميليشيا حزب الله اللبنانية على السيطرة على سورية ولا حتى على ما تملك من أرض!
وكل متتبع للشأن السوري يعلم قبل هذا التدخل الروسي بدعمهم لنظام الأسد وبقائه في السلطة وحتى رغبتها في عدم مشاركة فصائل المعارضة السورية في السلطة مستقبلا! ويرى الروس قبل غيرهم من حلفائهم الايرانيين وحزب الله أن أي تغيير في السلطة السورية معناه إبعادهم عن سورية وإنهائها تماما كحليف مستقبلي مهم لهم! والسبب أن المعارضة السورية معظمها تقريبا ان لم تكن جميعها ضد روسيا وإيران وحزب الله ولو وجدت تلك الأنظمة بديلا مناسبا وحليفا لهم بعد بشار الاسد ونظامه لما ترددوا في دعمهم وإنهاء تواجد بشار الاسد ونظامه على الفور!
وما تعانيه روسيا ليس حرصها على نظام الأسد التي تعلم هي قبل غيرها صعوبة بقائه بل وبصعوبة وجوده الآن ومستقبلا! وما يؤرق الروس هو فقدانها لسورية وللأبد وفقدها بالتالي منفذها الوحيد على مياه وشواطئ البحر الأبيض المتوسط، وهو تدخل بلا شك للحفاظ على ذلك المنفذ وهذه الشواطئ الذي تجعلها قريبة من أوروبا وقناة السويس.
وما يحدث من روسيا الآن هو تحد لفرض هيبتها التي تعاني من الضعف أساسا في الآونة الأخيرة ومرورا بالأزمة الاوكرانية والتي أطرت فيها أن تحلها بأسلوب القوة وأن كانت بشكل تمت صياغته ديموقراطيا في ضم شبه جزيرة القرم كإحدى جمهوريات الاتحاد الروسي عبر استفتاء مهين وبتحد صارخ للاتحاد الأوروبي وأميركا والمجتمع الدولي بأكمله! وبرغم ذلك هي تعلم بتحالف الاتحاد الأوروبي وأميركا الذي يحاولون بشتى الطرق والسبل اضعافها واستغلالهم لمشاكلها الداخلية والاقتصادية معا!
فلم تجد روسيا ورغم قوتها العسكرية هيبتها السابقة وباتت مهددة في فقد جمهورياتها التي انفصلت سابقا من الاتحاد السوفييتي والتي تلهث وما زالت خلف الاتحاد الأوروبي واقتصاد اليورو!
وكذلك هي تعاني من أزمات الداخل ورغبة الانفصال في جمهوريات القوقاز!
روسيا كذلك تعتبر سورية وسيلة اقتصادية مهمة بالنسبة لها وبمجرد سقوط نظام الاسد ستتغير المعادلة الاقتصادية وسيصل الغاز القطري وربما المصري الى أوروبا عبر تركيا مرورا بسورية!
الروس باتوا في مهمة صعبة ولا يحسدون عليها فهم اطروا للتدخل في اوكرانيا بل وخطف شبه جزيرة القرم عبر استفتاء صوري وكانوا لا يمانعون في استخدام جميع الوسائل والقوى لتحقيق ذلك، وها هم يعيدون الكره في الشأن السوري وباستخدام القوة العسكرية هذه المرة وعلنا بعد ضعف حلفائهم الإيرانيين وغيرهم من تحقيق انتصار واضح ولو بقوة السلاح وفرضه واقعا!
كل ذلك وما ينتظر الروس وحتى العالم مستقبلا لا أحد يستطيع التنبؤ به خصوصا أن روسيا دولة عظمى تملك ترسانة نووية هائلة وتملك حق الفيتو في مجلس الأمن «مستعمر» العالم الجديد ولن تتنازل عن مكتسباتها فيه سوى بعالم آخر ولن يأتي هذا العالم سوى بفناء العالم الموجود الآن على أقل تقدير!
وما يحدث مع روسيا الآن ومن قبله مع الاتحاد السوفييتي هو مشابه لما حدث مع الدولة العثمانية سابقا فإسقاط نفوذها الخارجي يتم عبر إسقاط أنظمة الدول التابعة لها مثل أوكرانيا وسورية وإيران وغيرها أولا ومن ثم الدخول في مشاكلها الداخلية وتحقيق أطماع الاقليات والقوميات المختلفة في دول مستقله مثل الشيشان وجمهوريات القوقاز الاخرى!
بالطبع ستنجح أميركا وحلفاؤها في الاتحاد الاوروبي وستسقط غطرسة الروس قريبا وقريبا جدا ولسبب بسيط، فالاتحاد الروسي هش وغير متلائم في أي حال من الأحوال وهذا هو الخطر الحقيقي والذي خلق من الامبراطورية العثمانية الجبارة في نهاية المطاف دولة يطلق عليها اسم «تركيا» في مساحة لا تمثل اقل من نسبة 1% من الامبراطورية العثمانية القتيلة!
m_alsaeidi@