كان يا ما كان في قديم الزمان!
كان هناك لص ينتظر الليل بشغف، محاولا النوم ولو قليلا خلال النهار الطويل ليتسنى له السهر ليلا، يجلس وسط أسواق المدينة مستمعا لضجيجها مراقبا أحوال الناس.
ماذا يفعلون؟
كيف يتصرفون؟
بماذا يتحدثون؟
ومن باع ومن اشترى؟
وكم قبض البائع وكم دفع المشتري؟
كل هذا يهمه نهارا والشمس تلوح بالأفق ولا يصغي لشيء آخر غير مهم، كل تركيزه فيما هو مهم ومهم جدا ليحصل على مبلغ يشفي به مرض نفسه ويسد حاجته منها التي يعجز عن تحقيقها بعرقه وجهده!
يتمنى بينه وبين نفسه أن يكون الليل سرمديا ولا وجود للنهار وضجيجه إطلاقا، هكذا هو يستعيش في ظلام الليل!
ومع غروب الشمس تبدأ أفكاره الدنيئة في الظهور، ويرسم خطته لهذه الليلة وعلى دار أو متجر من سيسطو!
فيقوم بمهمته ليلا حتى لا يراه أحد، ولسوء حظه يتم القبض عليه في إحدى محاولاته من قبل رجال شرطة الوالي ويقدم للقاضي ليحاكمه فيأمر بجلده في السوق وأمام الناس ويشهر به!
ويقضي باقي حياته منبوذا ولا يؤخذ له رأي ولا مشورة ولا يسمع له حديث ويوصم بالعار، عار السرقة والسطو على أموال الناس الذي لا يفارقه بقية حياته!
وفي المقابل وفي زمن آخر حديث وبعد قرون، هنا لص آخر يجلس ليلا في احد الدواوين ويتصدر الصدارة بداخلها وهو كثير الشبه بلص ذاك الزمان بل وبمثل ملامحه تماما ويختلف عنه بقدر الاحترام فقط، فهنا هو محترم عندهم ومبجل لديهم ويصطفون للترحيب به، وكسب وده!
ينظر لساعة يده ويستأذن من أصحاب الديوان ليذهب للنوم فعمله يبدأ مبكرا من النهار وعليه الذهاب الآن، فيودع مغادرا بمثل ما استقبل وبأكثر حميمية أيضا ويودعونه وهم يطلبون الوعد منه بزيارة أخرى متى ما سنحت له الفرصة وسمحت ظروفه بذلك ليشرفهم في مكانهم مرة أخرى!
ومع بداية اليوم التالي وفي الصباح الباكر يذهب لعمله!
فيحضر له البريد ويوقع الكثير من المناقصات والشيكات ويشترى ويبيع ويقبض ويتصرف، هو لا يملك هذا المال إطلاقا ولكنه مؤتمن عليه فيشارك في اختلاسه والسطو عليه نهارا «شاهر يا ظاهر»!
وتتغير حياته وحالته كليا، وأمام مشاهدة الجميع ممن زارهم وممن لم يزرهم فيتمنى الجميع لو زارهم إلا قليلا منهم!
هذا اللص وقد اصبح الآن اكثر مالا وعقاراته تجاوزت المعقول واللا معقول وتجارته في تصاعد!
وتعلم الناس وتتكلم عن أوضاعه المشبوه وللأسف تزيد مع ذلك وتيرة احترامه من معظم الناس وكسب وده أكثر فأكثر!
وتتوسع له المجالس بخلاف رجل ذاك الزمان الذي ضاقت عليه المجالس!
ويذهب ليستريح ليلا محترما اكثر مما كان ويذهب نهارا ليكون لصا مع كامل النفوذ ويستمر تزايد نفوذه أيضا!
الفرق بينه وبين رجل ذاك الزمان هو الزمن باختلاف توقيتاته وأحواله!
ذاك اللص احترم نفسه نهارا وسرق ليلا
وهذا اللص احترموه ليلا وسرقهم نهارا
ذاك اللص جلدوه ونبذوه وهذا اللص جلدهم وسرقهم وزادوا له احتراما!
فكيف لمثل هذا الزمن أن يكون محترما؟!
ومرحى لذاك الزمان كم هو حقيقي وبدون زيف!
خطوات تغريدة: #تويتر: في زماننا حرامية النهار أكثر من حرامية الليل!
m_alsaeidi@
[email protected]