يقول الفيلسوف والمحلل السياسي السويسري جان جاك روسو: «رصيد الديموقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب، بل في وعي الناس»، فهل تنطبق علينا نحن الكويتيين هذه المقولة؟ هل نملك في عقولنا وضمائرنا الرصيد الكافي من الديموقراطية؟!
للإجابة على هذا السؤال لابد أولا أن نعود إلى التاريخ قليلا ونستشهد بأحداثه ومجرياتها، فحينما حلم قادتنا بدولة ذات كيان ديموقراطي حر ينعم شعبه بأعلى مراتب القدرة على الاختيار في تحديد نهج التعامل مع كل قطاعاته، ساعين إلى المساهمة في إيجاد مستقبل أفضل لنا ولأبنائنا.
عندما تجرعنا مرارة الحرب ونجحنا في الحصول على الاستقلال وكان ذلك في عام 1961، أدرك أمير الكويت حينها الشيخ عبدالله السالم، طيب الله ثراه، أن الحياة التشريعية لابد لها من أن تكتمل فبادر بوضع دستور دائم للكويت، كما أسس لحياة نيابية وبذلك تكون قد اكتملت أقصى مراحل الديموقراطية، وفي يناير عام 1962 افتتحت أولى جلسات المجلس التأسيسي وبعد انتهائه من وضع الدستور أجريت في عام 1963 انتخابات مجلس أمة لأول مرة في تاريخ الكويت.
ولأنني أعرف في قرارة نفسي أن الدول التي تؤمن بأهمية منح الديموقراطية لأبنائها هي في الأصل تملك قدرا كبيرا من الثقة بهم وباختياراتهم، فالأوطان ليست أرضا نعيش عليها، فالوطن هو الهوية والحياة بل هو الهواء الذي لا نحيا بدونه، نتقبل فكرة التضحية بالروح من أجل حمايته والحفاظ عليه، ونجاهد من أجله ومن أجل الوصول إلى المكانة التي يستحقها.
ولأن التغييرات السياسية التي مرت بها الكويت كانت متلاحقة فقد أفرزت الكثير من الشخصيات السياسية من أعضاء مجلس الأمة في دوراتها المتعاقبة، منهم من حفظ لنفسه مكانة في تاريخ هذا الوطن، ومنهم من غادر مكانه دون أثر ملموس، وفي الحالتين هناك عامل مشترك ألا وهو «الاختيار».
الصوت الانتخابي لمن يُمنح؟ وعلى أي أسس تم اختيار هذا المرشح على وجه الخصوص لتمثيل المواطنين بالمجلس؟ وعلى أية أسس تم منحه تلك الثقة الكبيرة؟ والحقيقة أنني لا أجد حرجا في الاعتراف بأن منح الصوت الانتخابي لمرشح ما أحيانا يكون بدافع صلة القرابة أو الصداقة، وكذلك لوجود مصالح مشتركة مع المرشح، وهنا بالتحديد تكون المدخلات العملية للحياة السياسية شخصية بحتة، ولذلك فإن النتائج لن تكون مرضية للوطن وكذلك لشعبه.
ولأكون منصفا هناك فئة كبيرة من الناخبين ذات مبدأ قوي وثابت، وترى أن صوتها الانتخابي بمنزلة الأمانة والشهادة التي لا يجوز التلاعب بها، وأن الوطن لابد أن يكون هو المستفيد الأول والأخير من هذا الصوت الانتخابي، ولذلك يجاهدون من أجل انتقاء المرشح الأفضل والذي يمكن من خلاله أن يتقدم الوطن خطوة إلى الأمام، وأن يحقق طموحات الشعب، ضاربين بعرض الحائط أي عوامل أخرى قد تؤثر على قراراتهم، وتجعلهم يقدمون مصالحهم الخاصة على مصلحة الجميع من أفراد الشعب.
لقد حلم قادتنا الراحلون، طيب الله ثراهم أجمعين، بأن يتركوا لنا إرثا كبيرا من الديموقراطية، لقد كانت ثقتهم بنا لا حدود لها، كانوا يدركون أننا سنكون ذوي حرص شديد على الوطن الغالي ومصلحته العامة، وأننا نتملك من الوعي ما يؤهلنا إلى «حسن الاختيار»، ولهذا علينا جميعا أن نراجع أنفسنا ونحن نقف على أبواب استحقاق انتخابي جديد، ونلتفت إلى آليات وأسس اختياراتنا للمرشحين، فعلينا أن نبدأ بمراجعة البرامج الانتخابية لكل مرشح، وكذلك النظر إلى تاريخه ومواقفه السياسية، ولا ننسى أن نمنح الشباب الثقة وندعم الأفضل منهم للوصول للمجلس، وأن تكون أعيننا على الكويت فقط وليس لشيء آخر، وعلينا أن نعترف بأن هذا الوطن منحنا أقصى مراحل الديموقراطية فعلينا أن نتعلم كيف ننتخب ولماذا ننتخب.
[email protected]