جريمة قتل حصلت في أحد قطارات مدينة نيويورك بأوائل الثمانينـــيات راح ضحـــيتها 7 أشخاص، جريمة من جرائم كثيرة وعديدة كانت تحصل في تلك الفترة بالولايات المتحدة الأميركية.
قام الباحثون بإمعان النظر ومحاولة معرفة الأسباب والدوافع التي تؤدي لكثرة الجرائم في المدن الأميركية، ولاحظوا أن الجرائم تكثر وتعظم في المدن الفقيرة، وعلى وجه التحديد المهملة وغير المهتم بها من قبل الحكومة الأميركية، مما أوجد أشخاصا على قدر كبير من الإجرام والعنف.
قامت الحكومة بالالتفات لهذه المدن وأصلحت الشوارع، وصبغت الجدران ونظفت الأماكن واهتمت بمن يعيش هناك اهتماما حقيقيا، وبعد فترة من الزمن انخفضت الجرائم بنسبة تتجاوز 75%.
نظرية «النافذة المكسورة»، يعود أصلها لعالم النفس والاجتماع فيليب زيمباردو عام ١٩٦٩م وتابع العالمان جيمس ويلسون وجورج كلينغ تجربة زيمباردو عام ١٩٨٢، والتي تربط الفوضى في المجتمع بالأحداث اللاحقة للجرائم الخطيرة، وكان تركيزهم على افتراضية بأن الجريمة هي نتيجة نهائية لسلسلة طويلة من الأحداث، وأن الجريمة تنبع من الفوضى وأنك بالقضاء على الفوضى ستحد من الجريمة.
بمعنى أن صغائر الأمور بدايات عظائمها، وضربوا لنا مثالا فقالوا لو قام شخص بتحطيم نافذة زجاجية بالطريق العام ثم تركت هذه النافذة من غير إصلاح، سيتسرب إلى الناس اعتقاد بأنه لا أحد يهتم.. إذن لا يوجد من يأخذ بزمام الأمور، فيتشجع الناس على كسر مزيد من النوافذ من باب العبث، ثم يتحول الأمر إلى جرأة فيقتحم الناس البيوت والمحال التجارية وهكذا، وينطبق الأمر على باقي نواحي الحياة.
خطورة الصغائر أنها تتعاظم وخطورة المشاكل أنها تتفاقم، وضع الحلول السريعة والفاعلة يختصر الكثير من المشاكل الكبيرة التي قد تأتي جراء هذا الإهمال والترك.
كنت أثناء الدراسة في أميركا مستأجرا عند شخص أميركي اسمه «ديفيد»، وفي أحد الأيام وجدته خارج السكن وهو بقمة الغضب ويسألني عن جار لي من إحدى الدول الخليجية، فلما استفسرت منه عن سبب غضبه قال لي: لك أن تتخيل أنه ترك الشقة وفيها كمية من الأوساخ والقاذورات شيء كبير جدا، فكان بقمة غضبه واستيائه.
صديقي الخليجي كنت أعرفه، رجل مهذب بكلامه، أنيق في لبسه لم تكن تظهر عليه علامات اللامبالاة ولكن هي «النافذة المكسورة»، فحينما تترك المكان غير مرتب لفترة سيمتد هذا الإهمال واللامبالاة لكل أركان الشقة مما يصعب عليك إعادة ترتيبها وتنظيفها فتتراكم الأوساخ وتعم الفوضى.
العلاقات الاجتماعية والتواصل بين الأفراد وحتى الأزواج شيء ضروري جدا ألا تترك «النافذة مكسورة» من غير إصلاح إن أمكن، أو تغيير إذا وجد، أو تبديل إذا عدم التفاهم وصعب الوصول إلى حل.. لا تترك مشكلة صغيرة فتكبر ولا تترك خطأ بحقك فيعظم ولا تهمل شيئا فلا تستطيع الفكاك منه.
[email protected]