نسمع كثيرا جملة «الوقت يمضي بسرعة»، ينقضي اليوم والشهر والسنة ولا نشعر، ينتهي رمضان فنستعد بعد أيام لرمضان جديد.. قبل فترة قصيرة كان العالم يترقب الألفية الجديدة ونهاية العالم وتعطل الحواسب الآلية، والآن مر ربع قرن على هذه الحادثة، بالطرف الآخر أعمارنا تتسارع بشكل غير مسبوق، فصاحب العشرين بلغ الثلاثين، ومن يكون بالثلاثين يفاجأ بأنه قد دخل الأربعين، سرعة قصوى في كل شيء، فمن الذي سبق الآخر، أعمارنا أم الوقت الذي نحن فيه.
في السابق كان السفر والترحال يأخذ أشهرا عديدة وفيه من المشقة والتعب ما يجعل للسفر قيمة تتجاوز قيمة السفر في الوقت الحالي، كان المسافر بالسابق يودع أهله وأقاربه ويكتب وصيته لأنه قد لا يرجع من جديد، إما بسبب تقطع السبل أو بسبب قطّاع الطريق، كان السفر قطعة من العذاب فعلا، يتردد الواحد كثيرا قبل اتخاذ هذه الخطوة، تغير وتبدل الحال فأصبح السفر ميسرا سهل المنال على أغلب البشر، فمن يريد السفر يسافر، ومن يريد التنقل يتنقل من بلد إلى آخر بيسر وسهولة.
لكن ما الذي تغير وما الذي جرى، وما سبب هذا التسارع الرهيب في زماننا الحالي، وهل هو إيجابي أم سلبي، حينما تمر السنة كاليوم ويمر العمر كالساعة، ألا يعتري الواحد فينا شعور غريب، وإحساس بالمسؤولية بأن العمر يتسرب من بين أيدينا ونحن لا نشعر، تنقضي الأيام ونحن لا ندرك، تنطوي صفحات حياتنا ونحن لا ندري.
استوقفني حديث عظيم بهذا الباب فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة».
وقد اختلف العلماء بمعنى التقارب هل هو تقارب حسي أو معنوي، فذهب أكثر العلماء إلى أن التقارب المعنوي قد حدث ووقع بذهاب البركة من الوقت فتكون قيمة الشهر كاليوم وقيمة اليوم كالساعة من حيث المنفعة والاستفادة.
وقال بعضهم بمعنى التقارب هو سهولة الوصول والاتصال، ففي هذا الزمان أصبح التنقل سهلا ويسيرا من خلال المركبات والطائرات والقطارات، ومعرفة الأخبار أصبحت بمتناول اليد من خلال الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي، فما أن يحدث أمر ما في بلد حتى يسمع به العالم كله.
أما التقارب الحسي فإنه لم يحدث ولم يقع وقوعه إلى الآن مع أنه ليس بالأمر المستحيل، لأنه بآخر الزمان ووقت ظهور الدجال ستطول الأيام وسيكون اليوم كالسنة وكالشهر وكالجمعة في الطول.
مما سبق يظهر أن الكل سيمضي العمر والوقت، وأن مدار الأمر كله على البركة التي تعطى للشخص لجعل هذه الأيام والسنوات لها قيمة ومعنى أو أنها ستمضي وتنقضي دونما فائدة.
[email protected]