الرغبة في الحديث تكاد تتجاوز جميع الرغبات فأنت خلال حديثك تظهر وتفرد عضلاتك وتبين قوتك وسطوتك على الآخر، للتحدث سكرة تكاد تجاوز سكرة الخمر، شاهدت كثيرا من الأشخاص يتجادلون ويتحدثون وتعلو أصواتهم وتحمر وجوههم وتنتفخ أوداجهم لا لشيء غير أن كل شخص يريد أن يكون هو المسيطر والمتحكم في الحوار والجلسة.
لماذا يعجز البعض عن الاستماع، والله عز وجل جعل لنا أذنين ولسانا واحدا، لك أن تتخيل لو أصبح العكس فأصبح لدى البشر لسانان اثنان وأذن واحدة، ما الذي سيحصل؟!
نجد الشرع الإسلامي يحثنا على الصمت وعدم الخوض فيما لا ينفع يقول تعالى: (وكنا نخوض مع الخائضين) والحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: «ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».
لذلك نبهنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أمسك عليك هذا»، أمسك لسانك عن الحديث فيما لا ينفع، أمسك لسانك عن الخوض في أعراض الناس، أمسك لسانك عن التحدث لمجرد التحدث.
وما يزيد الطين بلة والأمر سوءا، هو وجود دورات وندوات وأماكن تحث وتحفز الناس للتحدث ومواجهة الجمهور وكأن المجتمع عدم وجودهم، فتجد هناك دورات وندوات بكيف تتحدث بثقة، وكيف تواجه الجمهور، تغلب على مخاوفك وتحدث بطلاقة، ومن مثل هذه الدورات والندوات التي أخرجت لنا أناسا يتحدثون بغير فائدة ويخوضون فيما لا يعرفون، فخرج علينا أنصاف متحدثين وأنصاف متكلمين وأنصاف علماء، فأصبح ضررهم أكبر من نفعهم.
وهنا تكمن الخطورة، حيث أصبح لا أحد يريد أن يستمع مع أن المدح كان للمستمعين يقول تعالى: (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله) الهداية تأتي لمن يستمع القول فيتبع أحسنه لا من يتحدث ويتحدث ليري العالم أنه متحدث حذق ومتكلم بارع.
يقول الشاعر:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى
إن البلاء موكل بالمنطق
ومع ذلك أنا لا أدعو إلى الإنصات والاستماع السلبي الذي لا طائل منه، بل المطلوب هو الاستماع لكل ما هو مفيد والحديث بالكلام الطيب السديد يقول تعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) فجاء المدح لمن يتكلم فيما ينفع.
لذلك استمع وأنصت قدر المستطاع لمن حولك وستجد كل التقدير والحب والاحترام من الجميع.