كنت في حديث مع أحد أصدقاء الغربة بأميركا فكان يحدثني عن وضعه الحالي والوحدة التي يعيشها، فقلت له إن الوحدة قاتلة، فقال لي: إنك تجمل وصف الوحدة ليست قاتلة فحسب، فالوحدة تذيب وتنهي حياتك كالشمعة التي تضيء وهي ترى أن نهايتها قد قربت، ولكنها تذهب مسرعة لحتفها.
الوحدة لفظ يتكون من أربعة حروف، لكن داخلها كمية كبيرة من المشاعر والأحاسيس تصعب على من لم يعشها أن يتخيلها، فعلا يا صديقي أن لفظ قاتلة، أنت تبسط وتهون من قسوة الوحدة على الفرد:
الوحدة بركان خامد.
الوحدة جرح غائر.
الوحدة انكسار ظاهر.
الوحدة معاناة متجددة يعيشها الشخص يوميا بينما يظن الآخرون عكس ذلك.
الوحدة لا تعترف بزمان أو مكان ولا يحدها حد وليس لها سقف. فقد يصاب بها من يعيش في الغرب المتقدم، كما قد يشعر بها من يعيش في أدغال أفريقيا.
الوحدة لا تعترف بالماديات أو بالمؤثرات الخارجية، فقد تصاب بالوحدة وأنت تملك كنوز الأرض وقد تلجأ إلى الانتحار وأنت تملك ما يكفيك لقرون وقد تشعر بالوحدة وانت بين أهلك وناسك.
وقد يكون للوحدة بريق كاذب وشعور خادع، فيوهم الإنسان نفسه أنه في راحة بالعزلة، وأنه في غنى عن مخالطة ومجالسة البشر، ولكن مع مرور الوقت ستنكشف له الحقيقة أنه مخطئ وأن قرار الانعزال خطأ، لذلك لا تغتر بالراحة المؤقتة.
ولو نظرنا إلى المجتمع الغربي فستجدهم يلجأون إلى الكلاب والقطط حتى يكسروا الشعور بالوحدة ويجدوا شيئا يتحدثون معه ويرد لهم الصوت.
وأقسى أنواع الوحدة هو الوحدة القسرية، فحينما يموت الأصحاب أو الزوجة والأولاد أو تترك بلدك وموطنك الذي عشت وترعرعت فيه أغلب فترات حياتك، حينها تكون قد فرضت عليك وليست باختيارك فأنت في هذه الحالة تتجرع مرارتها مرغما لا مختارا.
أما من يختار الوحدة وتعجبه هذه الحياة بالابتعاد عن الناس واتباع مقولة «اعتزل ما يؤذيك» فسيجد نفسه بعد فترة من الزمن يبحث ولا يجدي طرق الأبواب ولا تفتح له، يتحدث ولا يسمع له، فالزمن قد تغير والأنفس قد تبدلت.
لذلك، حث الله عز وجل على أن يتخذ الرجل زوجة، فقال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة…). فحينما ينتهي الزوج أو الزوجة من مشاغل الحياة والضرب بالأرض ابتغاء توفير حياة كريمة للأسرة يلجأ الفرد إلى مكان إقامته وبيته، ويتمنى أن يجد فيه من يبث إليه همومه وغمومه من يرد عليه الصوت ومن يواسيه من يرشده ويداريه عند الحاجة. وحث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على المخالطة فقال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم». كذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالاتفاق وعدم الاختلاف، فقال: «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»، فعلا إذا زاد الاختلاف كبرت الفجوة بين الناس وحصل الفراق والانشقاق صار المسلم صيد سهل للشيطان ووساوسه.
ولكن مع ما في الوحدة من سوء وقلق واضطراب نفسي في آخر الزمان ووقت كثرة الفتن يكون الأفضل للشخص الابتعاد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن». أعاذنا الله وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
[email protected]