أبرمت الدولة العشرات من مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص وخصوصا سنوات ما بعد التحرير في التسعينيات ومن ضمنها واجهات بحرية ومنتجعات ومسالخ وأسواق سلع استراتيجية، أضف إلى جامعات ومستشفيات وسواها.
ولما كان معظم تلك العقود تحدد أمدها بعشرين سنة، فعلى ذلك قد انتهى امد التعاقد أو يكاد للعديد منها وآلت ملكيتها إلى الدولة.
ولا ينبغي ان يفوتنا ذكر ان إدارة الفتوى والتشريع قد افتت بأن هذا النوع من المشاريع لا يعد «استثمارا» فلا يندرج ضمن اختصاص قانون عمليات الشراكة رقم (7) لسنة 2008، وإنما «تأجير» لأملاك الدولة الخاصة ويقع ضمن اختصاص ونطاق المرسوم بالقانون رقم (105) لسنة 1980شأن نظام أملاك الدولة.
كانت تلك الفتوى بمنزلة طوق النجاة الوحيد للتحرر من ربقة قانون الشراكة المكبل للتنمية والانفكاك من قيوده.
لكن بالتأكيد أن طبيعة تلك العقود تبقى بلا شك عقود شراكة بين القطاعين العام والخاص.
لكن رغم الجهود التي بذلتها الجهة المسؤولة عن تلك المشاريع عندما باشرت إعادة طرح عدد ممن انتهت عقودها بمزايدة بين مستثمرين من القطاع الخاص كي يتم تشغيلها وإدارتها نيابة عن الدولة مقابل عائد مالي يسدد للدولة فقد ظهرت مشكلات في التجربة وبانت فيها بعض الثغرات.
هي جهود ومثابرة يشكرون عليها والتصحيح والتقويم كفيلان بإنضاج التجربة.
ودون الخوض في التفاصيل، فإن قاعدة الشراكة ينبغي ان تبنى على اتفاق تتكامل فيه الاهداف وتتساوى فيه كفتا المصالح بين الجانبين، فالمستثمر هو من يسعى إلى تعظيم العوائد بينما الدولة ينبغي لها أن تسعى إلى تعظيم المنافع للمجتمع وليس العوائد.
فوفقا لنظام مشاريع الشراكة تكون الدولة شريكا مع القطاع الخاص في التنمية لا بالارباح والتجارة.
ما حدث في تجربة أحد الاسواق التراثية هو ان مشغل السوق رفع ايجارات محلات البيع بالتجزئة بشكل مفرط كي يرفع من ايرادات التشغيل ليتمكن من سداد بند الصرف الرئيسي وهو القيمة الايجارية للدولة، وهذا بطبيعة الحال أدى إلى هجرة اصحاب الاعمال إلى خارج المشروع بسبب فقدان محل التجزئة ميزة الفرص المتكافئة لصالح منافسيه في الاسواق المجاورة، ما أدى إلى إرباك في الخدمات واصبح المشروع مدعاة لتذمر المستهلكين وعدم رضاهم.
ويمكن حسم الجدل حول القيمة الايجارية العادلة للدولة في حال تحقق ثلاثة عناصر: ألا تبخس حق الدولة، ولا تثقل كاهل المشغل، ولا تفضي إلى ارباك المشروع وزعزعة الخدمات التي يقدمها.
لكن ان اخذنا المستشفيات والجامعات الخاصة فلا مناص من ان تجدد عقودها مع المستثمر نفسه لأسباب عديدة منها أهمية عدم إرباك النظام الصحي والتعليمي والنأي عن الدخول في تعقيدات تغييرات المناهج او نقل الطلبة، والمخاطر المحتملة على المرضى في حال إخلاء إدارة مبنى المستشفى.
محمد موسى الصالح
استشاري اقتصادي ومدير عام اتحاد الصناعات الكويتية سابقاً