شاءت ظروف عملي ان أسافر الى بلد الشاي الفاخر في أوج أزمته الاقتصادية والسياسية.
حطت بنا طائرة طيران الجزيرة في مطار كولومبو عاصمة سريلانكا فجر الثلاثاء التاسع عشر من شهر يوليو الفائت في رحلة عمل دامت بضعة أيام.. كان المشهد في المطار يبدو هادئا أكثر من المعتاد، إذ لم أرى تلك الجموع الغفيرة من السياح الأجانب في مطار كولومبو الصغير نسبيا.
أشار لي ضابط يعمل بشباك تخليص إجراءات الدخول بالتقدم لاستكمال الإجراءات، وتناول ورقة بيانات الدخول وقام بتعبئتها نيابة عني، ثم أومأ بحركة الأصابع المعروفة بطلب بقشيش «هدية» حسب تعبيره! ذلك الطلب لم يكن أمرا اعتياديا في سريلانكا من قبل لكني ناولته خمس آلاف روبية أي ما يزيد قليلا عن أربع دنانير كويتية..!
دلفت إلى صالة المطار بانتظار السائق وفق ترتيب مسبق، تكلفة سيارة الأجرة الى الفندق التي تستغرق حوالي عشرة دقائق تبلغ خمسة عشر ألف روبية أي حوالي اثني عشر دينارا كويتيا..؟
تكاليف التنقلات أصبحت خيالية بسبب شح الوقود.. وأصبحت محطات البنزين ساحة للمشاجرات والمضاربات بين مئات المنتظرين مضوا معظمهم أيام عدة للحصول على رشفة من الوقود لخزانات مركباتهم..! في حين توقفت معظم المحطات عن العمل بسبب شح الوقود!
وأدى ذلك إلى ارتفاع سعر الوقود في السوق السوداء بشكل جنوني، وبأثر ورد فعل طبيعي ارتفعت أسعار جميع السلع والخدمات بذات النسبة تقريبا فاقت 50% في شهر واحد والمواد الغذائية بنسبة 80%، وفي بلد مدين للخارج بنحو 50 مليار دولار، دون اي عملات أجنبية لشراء الوقود، لم يعد الأمر يطاق.
فقدان الوقود بدوره أشعل وقود انتفاضة الشعب ضد رئيس الدولة..!
الفنادق كانت شبه خالية بسبب قلق السياح من عواقب هذه الأزمة، لا بل ان السياحة كانت قد تضررت عندما شنت عناصر إرهابية عدد من العمليات الدموية استهدفت مرافق أساسية في الدولة عام 2019..
وباختصار أوجزه لي مواطنون سريلانكيون ان الرئيس كان يمثل هرم سلطة الفساد ما استدعى الأمر ان يتم استئصاله، بينما يرى معظم المسلمين بأن سقوطه جاء انتقاما ربانيا جزاء إصداره قرار حرق جثث المسلمين إبان فترة جائحة كورونا!
وأشيد هنا بدور القنصل عبدالعزيز العدواني وطاقم سفارة الكويت في كولومبو على ما بذلوه من جهد ومثابرة في سبيل ضمان سلامة المواطنين الكويتيين والرد على استفساراتهم والحرص على متابعة أوضاعهم.
إن انتفاضة بلد الشاي كانت بمنزلة زوبعة في فنجان، إذ لم يوقع فيها المتظاهرون أي ضرر او تخريب في بنى الدولة الاقتصادية وبالأخص القطاع السياحي من فنادق ومرافق، وانتهت الزوبعة بهروب الرئيس الذي حكمها منذ عام 2019، وبداية صفحة جديدة من تاريخ سريلانكا السياسي.