بقلم: منى العياف
من المفارقات الغريبة انه عندما أعلنت دولة الإمارات العربية عن وجود خلية إخوانية هدفها تغيير أنظمة الحكم الخليجية، ان ذلك الإعلان المثير واللافت للنظر بل والصادم في الوقت نفسه لم يكن صادما لنا، لأننا كنا نعلم بأنه هناك مشروع دولي كبير، ساهمت فيه قوى غربية.. اعتقدت - ربما عن وهم أو عن ثقة - ان الفصيل المنظم في الوطن العربي هم «الإخوان المسلمون».. فقد ظهرت لنا اشارات عديدة بتغير الاستراتيجية الغربية ازاء التعامل معهم، وتخليها عن أصدقائها القدامى (حسني مبارك مثلا!).
***
كل هذه إشارات لم نكن نخطئها هنا في المنطقة، وعندما أتيحت لهذا الفصيل الفرصة ليحكم ويقرر وبعد ان كان متواريا في الظلام ومغيبا وراء أسوار السجون وانتقل الى مقاعد الحكم وجرب بريق السلطة والأضواء، فيبدو انه أصيب بالانبهار فكان ان أثبتت التجربة العملية له في الحكم لفترة قصيرة.. انه غير قادر على ادارة دولة ذات مؤسسات، وان مشروع النهضة ما هو إلا مشروع في خيال من وضعوه لأنه على أرض الواقع يحتاج رجالا قادرين أكفاء.. رجال دولة متمرسين.. يستطيعون ترجمة الأفكار إلى أعمال والى مشروعات واقعية يجلبون لها التمويل والمساعدات.
***
لكن من أين سيأتي الإخوان بالرجال اذا كانوا يعتمدون سياسة «التمكين» لأعضاء الجماعة وإقصاء الآخرين؟! فمع انهم لا يوجد لديهم الرجال المؤهلون لتنفيذها الا انهم مستمرون في سياسة العزل وإقصاء شركاء الثورة جميعا - حتى شريكهم الجديد ـ وهم الأكثر إظلاما منهم ـ أعني «السلفيين» انقلبوا عليهم رافضين سياستهم.. ولذلك فان الأمور سائرة نحو الأسوأ، لهذا مازلنا نعيش كل يوم صراعات وانتفاضات جديدة للثوار الذين سرقت منهم ثوراتهم وانقض عليها الإسلاميون، آملين في استعادتها لكي يحققوا – أعني الثوريين - أهدافهم الأساسية التي ثاروا من أجلها في دول الثورات العربية.
***
تثبت التجارب كل يوم حاجة الإخوان الى العمل «العلني» لـ 80 عاما ليتمرسوا عليه ويتخلصوا من آثار العمل السري.. ففي كل يوم تظهر اخطاؤهم الفادحة ويوصلون رسائل مستهجنة تثير سخط الشعب المصري، مثل تلك الرسالة التي حملها الى المصريين استقبال أحمدي نجاد في القاهرة، والتي قوبلت بسخط غير معهود من الشعب المصري البسيط.
***
هذه الزيارة أحرجت الإخوان وربطت «خيوط اللعبة» التي كانت متناثرة هنا وهناك، فلا أحد منا ينسى عندما قدم الرئيس نجاد 50 مليون دولار لحركة حماس، في ذلك اللقاء الشهير الذي جمع بينه وبين خالد مشعل.. كما ان هناك أيضا خطاب «المرشد الايراني» الذي لا ينسى والذي تحدث فيه باللغة العربية وخرج فيه محييا الشعب المصري في ثورته ضد مبارك، ولا ننسى أيضا تلك «السجون» التي كسرت أبوابها بعد أيام من الثورة وخروج أعضاء من حزب الله ووصولهم الى لبنان وغزة بسرعة قياسية.. وكذلك لا ننسى تلك الزيارة التي قام بها رئيس وزراء «مرسي» إلى غزة وكيف استقبل بحرارة وحفاوة، وقد رأينا عند نجاح الرئيس مرسي كيف احتفلت كل الشوارع في غزة بنجاحه وفوزه برئاسة الدولة المصرية.
***
بوضوح يبدو لي انه كان – ولايزال - هناك علاقة وطيدة وأيديولوجية متشابهة الأهداف بين النظام الإسلامي الإيراني والنظام الإسلامي الإخواني، وان ما سمعناه من تصريحات سابقة للإخوان المسلمين مناهضة للإيرانيين والنظام الإيراني ما هي إلا ذر للرماد في العيون، وكل هذا أيضا لا يمكن ان يكون بمعزل عن موقف الإيرانيين من قتل «السادات» على أيدي التيار الديني المتشدد في مصر بكل فصائله.
***
في تقديري أيضا - ونحن نختتم هذه السطور التي تحاول إلقاء الضوء على أسباب فشل الإخوان واستمرار انتفاضات «الثوار» وعدم الاستقرار الذي ستظل تعاني منه ما نسميها بدول الربيع العربي - اننا اليوم أمام شرق أوسط تحيط به من كل الجهات.. علامات الشك والاتهام والاستفهام والريبة، ولا ندري ما الذي سيحدث فيه غدا: هل تندلع حروب أهلية أم تحدث فتن عرقية وطائفية أو تحدث نزعات انفصالية؟ لا نعرف حقا ما القادم.
***
لكن يتوجب علينا نحن دول مجلس التعاون الخليجي ان نحدد: أين نحن من الأخطار المحدقة بالمنطقة وما انعكاسات هذا الذي حدث وسيحدث علينا؟ هذا سؤال مطروح علينا بقوة قبل ان نجد أنفسنا «أسرى» لهذه القوى التي اتحدت جهارا، ولكن في ظني انه لا يكفي أبدا الاكتفاء بمثل هذه الخطوات التي اتخذت مؤخرا من دول مجلس التعاون الخليجي بان يكون هذا التعاون على مستويات عدة: أمنيا داخليا وخارجيا.. هذا مع تقديري مهم ولكنه لا يكفي فنحن نحتاج الى عملية إعادة صياغة أمنية شاملة للمنظومة الأمنية الخليجية في ظل هذه المؤشرات المريبة.. والعبرة لمن يتعظ!
[email protected]