بقلم: منى العياف
انتقدت في أكثر من مقال أداء وفلسفة عمل وأفكار تلفزيون الكويت الرسمي، وذلك وقت ان كان هو التلفزيون الوحيد في الدولة قبل صدور قانون المطبوعات بمواده الخاصة بالإعلام (المرئي والمسموع) وقلت ان تلفزيون الكويت كان دائما نافذة إعلامية «سلبية» ليس لها أي تأثير، لكونها اتبعت سياسة «المشي تحت الساس» كان تلفزيونا لا لون له ولا طعم لا رائحة.. تجري الأحداث ونحن لا نعلم عنها شيئا ولا ندري ماذا يحدث من حولنا، خاصة ان القنوات الخاصة قد انتشرت في كل أنحاء العالم إلا عندنا في الكويت.
لدرجة ان هذا التلفزيون امتنع حتى عن ذكر ما جرى أثناء غزو الكويت وظلت الذكرى تمر تلو الذكرى من دون إدراك لحدث كهذا، لدرجة انه لم يبق من ذكريات عنه لأجيال ما بعد التسعينيات إلا الذكريات التي يرويها ويتناولها الأهل فقط.
****
أسوأ من هذا، فبسبب المد الديني الذي استولى على مفاصل الدولة من بعد التحرير، امتنع تلفزيون الكويت ايضا عن بث الأغاني الوطنية والأغاني الفيلكلورية الأخرى؟ وهكذا طمس تاريخ طويل عريض للدولة على أيدي وزراء إعلام تعاقبوا الواحد تلو الآخر، كلا كان يخشى على كرسيه ويتمنى الاستمرار فيه على حساب الذاكرة الوطنية، والحس الوطني والانتماء وعلى حساب فرح الكويتيين وسعادتهم وعلى حساب التعبير عن حرية الرأي والمعتقد.
****
وبعد إقرار قانون (المرأي والمسموع) دخلت الكويت عصرا جديدا مع القنوات الفضائية الخاصة التي حركت المياه الراكدة وجعلتنا نواكب الأحداث، ونستذكر هويتنا وفيلكورنا وانتماءنا وذكرياتنا.. وكان من بين هذه القنوات «قناة سكوب» التي أنشئت عام 2007، التي صدمتنا صاحبتها ومالكتها الأخت العزيزة فجر السعيد، أمس بكلمات تقطر مرارة، بأنها أنهت حلمها بيدها وقامت بإنهاء نشاط وبث القناة!
عندما نقوم بتقييم موضوعي لهذه القناة البسيطة في إمكانياتها، العملاقة في الآثار الاجتماعية التي تحققت بوجودها، نجد ان قناة «سكوب» كانت المرآة الحقيقية للبسطاء من أهل الكويت، كانت صوتا لمن لا صوت له، فلأول مرة على شاشة خليجية كنا نسمع أنات المواطن المقهور، ولأول مرة كانت قضايانا الاجتماعية تناقش بتحرر ،ولأول مرة أصبحت الوزارة أسيرة غضب الشارع جراء هذه القناة.
«سكوب» كانت قناة تعكس توجه الشارع الحقيقي، كانت تعطي السادة الوزراء «خريطة» طريق عن «ماذا يريد المواطن وكيف يتحقق الإنجاز؟»
****
كانت قناة تمثل ديوانا للمظالم، على مدار السنوات السابقة حلت الكثير من مشاكل الضعفاء والذين يبحثون عن وظيفة، عن علاج بالخارج.
وعلى مدار السنة كانت «سكوب» تترجم شعارها الأثير الصحيح ترجمة عملية مع كل برنامج ومع كل أغنية وطنية من أغانينا الرائعة.. كانت شعار هذه القناة (الله ثم الوطن ثم الأمير) شعارا حقيقيا وطنيا لا ينتظر مقابل، لهذا حشدت خلفها الكثيرون، وأصبحت ببساطتها توجه الرأي العام، والأغلبية الصامتة البعيدة عن مصالح المناقصات والمناصب.
صنعت «سكوب» شخصيات عامة لم يكن لهم تاريخ، وأبرزتهم حتى أصبحوا في فترة، يتسيدون الساحة، وقفت أمام تيارات سياسية لها جذور، واستطاعت إسقاط رموزها انتصارا لـ «الوطن».. كان طرح «سكوب» بسيطا مباشرا عفويا، يفهمه رجل الشارع ويتفاعل معه.
وقد تصدت لكل غوغائية في الشارع بأسلوبها سواء اتفقنا أو اختلفنا معه لكن الهدف هو الكويت ببساطة والنظام بالاساس.
****
الكويت مرت بظروف كادت خلالها تضيع نتيجة وجود مخطط حيك ضدها بقوة ومازال، وكانت هذه القناة ببساطة إمكانياتها شوكة في خاصرة المتآمرين على الوطن سواء من كانوا في الداخل أو في الخارج .
لقد أصبحت «سكوب» واقعا في كل بيت كويتي وربما خليجي ايضا، فقد صادفت الكثيرين من أبناء دول خليجية شقيقة وفوجئت بانهم كانوا من متابعيها، وانهم يرصدون ما يحدث في الكويت من خلال هذه القناة.
مفارقة عجيبة ،ان نكتشف انه حتى الدول العربية الشقيقة في المغرب العربي وفي بقية أنحاء الوطن العربي كانت تتابع هذه القناة الكويتية المحلية الخاصة، والتي ايضا شاركتهم قضاياهم الساخنة قبل الربيع العربي وبعده.
****
للأمانة، يحزنني كثيرا إغلاق أي وسيلة إعلامية أبوابها، لأن الإعلام «نافذة» مهمة الى أقصى درجة، ولا أقبل بادعاء من ليس لهم أي حق بأن ينعتوا هذه القنوات بأنها قنوات فساد أو من يحاولون وصمهم بـ «الفساد الإعلامي».
الإعلام نافذة حقيقية ومن يحدد سقف الحرية هو القضاء وليس الشخص أو التيار الذي لا يعجبه ما يقال على هذه النوافذ وتلك، وليس من يحدد ذلك هو توجه القناة، فيصمها عندما تكون ضد مصالحه وليست لديه الحجة بالرد،ويصفق لها عندما تتوافق معه ومع أهدافه !
في،النهاية تعجز الكلمات تعبيرا عن شعوري بالأسى لهذه القناة التي شاركتنا أفراحنا وأتراحنا، وتعجز المشاعر عن رؤية قتل حلم بدأ منذ الصغر في قلب إنسانة صادقة محبة كانت راعية له ولخدمة هذا الوطن، أشعر بالرثاء لكل أعداء هذه القناة لأن عداءهم يفضح ثقافتهم ويؤكد انهم لا يؤمنون بالحوار ولا بالرأي الآخر،
وفي النهاية ،لا عزاء لك يا وطن.
والعبرة لمن يتعظ!
[email protected]
munaalayyaf@