بقلم: منى العياف
تصريحات رئيس مجلس الأمة علي الراشد، التي ادلى بها أمس الأول وأكد فيها ان سيف الرقابة سيكون شديدا اذا لم تنفذ الحكومة القوانين التي انجزها مجلس الأمة، جاءت في محلها ووقتها.
فلقد أعرب الراشد عن بالغ أسفه لعدم قيام الحكومة بمسايرة المجلس ومجاراته في الانجاز على الرغم من كل ما تهيأ لها من أسباب ايجابية تؤدي الى ذلك، وقال: «لعل ما يشعرنا بالقلق، ان الحكومة لم تبادر ـ ولو من باب رد التحية لمجلس الأمة ـ بإصدار أي من اللوائح التنفيذية اللازمة لتطبيق القوانين التي أقرها المجلس، ويأتي في طليعتها المرسوم بقانون رقم (24) لسنة 2012 بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية».
***
وقال ايضا: «ولأن الأمة بأسرها تعول على هذا القانون الذي سيحد من استشراء الفساد في أجهزة الدولة ومؤسساتها، فقد كنا نتوقع من الحكومة التعجيل بإصدار لائحته التنفيذية، لكونها أكثر المتضررين من انتشار الفساد المالي والاداري في ادارتها، ولأن المرسوم بقانون، صدر برغبة أميرية سامية، وبصفة الاستعجال، ورغم أهمية هذه الأسباب مجتمعة، فإننا لم نتلمس حتى اللحظة أي مؤشرات حكومية جادة توحي بقرب انتهائها من اصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون تحديدا ولبقية القوانين عموما».
***
بداية توجه رئيس المجلس لنصح الحكومة وتحذيرها وتنبيهها في مقام وموضوع مهم كهذا أمر مطلوب ومهم جدا.. ويستحق الاشادة والثناء لأن رئيس المجلس يدرك ان هذا القانون هو «مطلب شعبي» للجميع ويدرك ايضا انه هو «النقطة الفارقة» في الاصلاح السياسي، ويدرك ايضا ان أي نظام سياسي لكي يتطور فإنه يجب ان تكون هناك مراقبة فعلية على أداء كل الوزراء والمسؤولين، رقابة تتم من خلال هذا القانون، وفضلا عن ذلك فإن هذا القانون هو «مطلب شبابي» ايضا وتمت بلورته بناء على مطالب ملحة استوجبتها ظروف سادت وظهرت في فترة سابقة لكنه ذهب مع الأسف مع ريح «المبطلين» ـ غير المأسوف عليهم ـ حتى جاء المجلس الحالي في أولى جلساته فأقر هذا المرسوم الذي نعتبره بالفعل العلامة الفارقة في الأداء السياسي.
***
هذا المرسوم أصدره صاحب السمو، وقد خرج من الديوان الأميري قبل انتخابات مجلس الأمة الماضية، واليوم يكون قد مضى على اصداره اكثر من خمسة أشهر، وحتى اليوم لم تصدر لائحة تنفيذية للقانون رغم اهميته الشديدة، ولم يعين مجلس الأمناء حتى الآن! أليس هذا امرا غريبا؟! خمسة شهور مضت نرى خلالها الحكومة لا تقدم الأداء المطلوب مع الأسف!
خمسة شهور مضت الآن وكان من الواجب على الحكومة ان تكون قد استعدت تماما لإصدار هذا القانون، وان تكون قد حصلت على معلومات كافية عن رجال الكويت (الشرفاء) الذين سيديرون هذه الهيئة (هيئة مكافحة الفساد).. وحتى لا تختلط الأمور، دعونا نتذكر معا ان هناك مواصفات مهمة وضرورية يجب ان تتوافر في كل من يشغل عضوية هذه الهيئة، فإلى جانب الأمانة والشرف يجب ان يكون رجلا أو امرأة لديهم شهادة جامعية ولا يكونون منتمين إلى عالم التجارة والمال.
***
هذا القانون وهذه الهيئة المرتقبة لا يجوز ان تتم بأسلوب «سلق بيض»، فمثلا لا يجوز مطالبة وزير العدل أو أي وزير بالإسراع في تقديم أسماء معنية من باب ذر الرماد في العيون، ولا يجوز ان يتم الاتصال بـ «فلان وعلان» لعرض هذا الموضوع عليهم وبسرعة عاجلة!
هذا القانون كان يحتاج الى دراسة والى وقت، وقد مضى وقت طويل دون ان نسمع عنه شيئا.. كان لابد ان توضع الشروط والضوابط بتمعن وعلى اسس علمية، بحيث يأتي اختيار «هيئة الأمناء» بشكل صحيح خال من المجاملة، وبعيدا عن التسرع وبعيدا عن هيمنة ونفوذ التيارات السياسية، والتجاذبات السياسية، وان تراعى بشكل مطلق السمعة والأمانة المطلقة في الاختيار صونا لكرامات الناس، ولذلك تمنيت ان نستفيد من الوقت السابق في وضع هذه الضوابط حتى نكون حريصين على تشكيل هذه الهيئة لأنها تتعلق بسمعة الناس وكرامتهم من الوزراء والمحافظين وكبار المسؤولين والمديرين العامين والوكلاء والوكلاء المساعدين وصولا الى السفراء والمختارين ومديري العموم..الخ، فكل هؤلاء يجب ان يكونوا تحت الرقابة وتحت سيف القانون، وكلهم يجب ان يكونوا أمامه جميعا سواء.
***
كيف يا سمو رئيس الحكومة يمر كل هذا الوقت ولا نرى شيئا عن هذا القانون حتى ان رئيس مجلس الأمة اضطر للمطالبة والتحذير بعدم التأخير في إصدار هذا القانون؟
حقيقة لم يكن لديكم أي مبرر.. فلا يوجد هناك «ارباك» سياسي يواجهكم، بل بالعكس لديكم استقرار سياسي تام، يفترض ان تستفيدوا منه في تحقيق انجاز حقيقي يشعر به المواطن.
ما الذي تحتاج اليه الحكومة لإصدار قانون من هذا النوع؟ ما الذي تحتاج اليه سوى الجهد والاخلاص لكي تضع له لائحة تنفيذية؟ وإذا كان هذا هو الحال مع مرسوم واحد بين 11 مرسوما سبق ان اصدرها صاحب السمو، فما العمل مع عشرين قانونا أصدرها المجلس؟!
***
ختاما..
نقول للحكومة بأعلى صوت «اسمحيلنا» لقد وقفنا الى جانبك كثيرا ودعمنا أداءك بكل قوة ولكن ما المحصلة في النهاية؟
أما مجلس الأمة، فإننا نشد على أيدي رئيسه ـ ونوابه ـ وندعوه الى مواصلة ومتابعة هذا القانون الجوهري المفصلي وخصوصا انه يحتاج الى نخبة من الشرفاء في المجتمع من الرجال والنساء والذين لا يمارسون «العمل السياسي» ولا يخوضون في مياهه التي قد تلوث ثوبهم الناصع بممارسات حزبية او طائفية او عنصرية، وتكون منزهة عن الغرض والهوى ويكون اختيارها لهذا المنصب محسوبا بدقة وبعيدا عن الأهواء وبعيدا عن الترضيات، فهذا القانون بالذات لن نسمح فيه بأن يتم تعيين أحد في هيئة أمانته لأنه محسوب على شخص او على أي كتلة سياسية، لأنه قانون الشعب.
والعبرة لمن يتعظ!
[email protected]
twitter@munaalayyaf