أهكذا يكون «وفاؤنا» لأهل «الوفاء»؟ هل نحن راضون عما قدمناه لأنبل وأعز الأشقاء؟ هل حقا قمنا بما يجب؟ وبما يمكن ان نقول معه هذه هي الكويت.. هذه هي الكويت التي اعتادت اتخاذ قراراتها الحرة بكل شجاعة، وبأياد غير مرتعشة وغير مهددة، وغير مذعورة، تضطرها الى ان تنسب مواقفها السياسية المؤازرة للقاهرة إلى «صرح مصدر مسؤول»؟!
يخطئ من يتصور ان الحديث عن دعم الشقيقة الكبرى الوفية.. مصر.. يتعلق بالمال أو بالدعم المادي فقط، ولعل أبلغ دليل في هذا الصدد الأثر الرهيب الذي أحدثه موقف «السعودية» المساند بقوة للموقف المصري.. والأثر الكبير الذي حققه موقف وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي دفع فرنسا لتبني مواقف معتدلة في اللحظات الحاسمة بعد ان كادت تذبح الدولة المصرية الجديدة في اجتماعات الاتحاد الأوروبي.
يخطئ من يتصور ان قيمة الكويت على مدى تاريخها تنحصر فقط في مد أيديها إلى خزائنها فتمنح هؤلاء وتعطى أولئك.. وتبني هنا وتشيد هناك.. الكويت دولة عريقة في «تشييد» من نوع آخر.. تشييد علاقات ومواقف عربية تقوم على التعاون والمشاركة في حمل الهم العربي المشترك ومن هنا كانت مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية، عندما استضافت الفلسطينيين على أراضيها، وعندما أنقذت قياداتهم في أيلول الأسود، وقد فعلنا الشيء نفسه عندما «احتضنا» جماعة «الإخوان»، وقت ان كانت تخوض صراعا عنيفا في مصر في الخمسينيات والستينيات، وبحثت عن «مرافئ» لها في دول الخليج.. وقد كنا احد هذه المرافئ.. وفعلنا هذا باقتناع رغم ان الكويت آنذاك كانت قلعة من قلاع العروبة والقومية العربية التي ناهضوا زعيمها وحاولوا اغتياله!
ماذا يحدث في مصر الآن؟ يحدث الكثير مما يدمي القلوب ويعصف بالعقول ويخيف الأصدقاء والأحباء على وطن عربي جميل يتوعده «الشيطان الإخواني الظلامي الأكبر» اليوم بالتدمير والحريق وباستعداء المجتمع الدولي كله عليه والعمل ليلا ونهارا على استدعاء التدخل الأجنبي فيه. تتعرض مصر اليوم لحملة عاتية ظالمة وتعيش ظروفا أقسى من ظروف ومعاناة احتلال بعض أراضيها.. فمحاولة استنزاف مصر جارية على قدم وساق كي لا تنجح دولتها الجديدة بعد الحركة التصحيحية للشعب المصري وخروجه العارم في 30/6 وفي 3/7 وفي 26/7.
يخوض الشعب المصري حربا شعواء، في الداخل «مع الشيطان الإخواني» وفي «الخارج» مع أصدقاء وحلفاء هذا الشيطان في المجتمع الدولي. معركة خطيرة يواجه فيها دولا كبرى اختارت ان تنصت لصوت «الإخوان».. وراحت تهدد الشعب المصري بقرارات قد تمسه في صميم حياته اليومية.. وتمس مستقبله وتهدد خياراته الديموقراطية المستقبلية.. فأين «الكويت»، وهذا المجتمع الدولي اما انه من أصدقائها، وإما من حلفائها، وإما ممن يدين لها بأفضال كبيرة؟ أين مساندة الكويت للموقف المصري عند الاتحاد الأوروبي؟ وعند «الحليف الأميركي».. بل وعند الصديق التركي الذي يشن حربا شرسة على الشعب المصري وليس صحيحا انها ضد الفريق السيسي الذي انقلب على شرعية مرسي كما تروج أنقرة.. هذا الصديق التركي ما الذي فعلناه معه والحال كذلك، بينما تربطنا معه علاقات قويه ووقفنا معه في أزماته أيام الكوارث الطبيعية عبر الصندوق الكويتي للتنمية، ومازلنا نقف معه عبر استثماراتنا الكويتية هناك والتي يقف شاهدا عليها ـ نموذجا ـ حوالي 229 فرعا لبنك بيت التمويل الكويتي، تعمل في تركيا؟
أين دور الصندوق الكويتي في هذه المحنة المصرية، وكان ممكنا ـ وهو ذراع الديبلوماسية الكويتية الاقتصادية ـ ان يتدخل لدى الدول الأفريقية لتوضيح الصورة ومنع هذه الرؤى الأفريقية المتعسفة بشأن التغيير الحاصل الآن، ويبين ان هذا التغيير قام به الشعب للتصدي لجماعة إرهابية إقصائية متطرفة، تزعم اليوم انها تعبر عن رأيها بسلمية في حين انها تحرق في مصر الأخضر واليابس وتخوض حرب شوارع جعلت من مصر بحرا من الدماء والأشلاء.. شأنها في ذلك شأن تاريخها كله منذ نشأتها وحتى الآن؟
كان ممكنا للكويت عبر صندوقها الكويتي ان توضح الحقائق حتى لا يقوم الأفارقة بإصدار قرارات معيبة بتعليق عضوية مصر في اتحاد ساهمت مصر في تحرر دوله من الاستعمار، كما ساهمت في توحدها وانضوائها تحت راية موحدة لمنظمة الوحدة الأفريقية!
كان ممكنا لـ «الكويت» ان تقف بحسم وعلى لسان حكومتها ووزرائها وفي مقدمتهم وزارة خارجيتنا ان تحذو حذو الأشقاء في السعودية والإمارات، والمساهمة في وقف حملة الأكاذيب والادعاءات التي تقودها دول معينة ضد مصر.. انطلاقا من ان الكويت ومصر في خندق واحد.. ومحنة مصر محنة للعرب جميعا!
إنني أتساءل بحرقة: كيف سكتنا ووقفنا هكذا متنكرين لتراث الكويت العريق، في الوجود بقوة في اللحظات المصيرية التي تواجه الأمة؟ كنا هناك في تآزر العرب مع مصر بعد «النكسة».. وكنا هناك أثناء معركة الكرامة العربية في 73 وكنا هناك في إعادة تهيئة قناة السويس أمام الملاحة الدولية.. وكنا هناك في كل مراحل العمل العربي المشترك وعبر 52 من انضمامنا للجامعة العربية ونحن طرف عربي فاعل ومهم في القضايا المصرية.
ما الذي جرى؟ كيف ارتعشت إرادتنا على هذا النحو؟ كيف تنكرنا لكل هذا التراث والدور والتاريخ الكويتي الذي يعرفه الأشقاء والأصدقاء عنا، والذي مارسناه بحرية وشجاعة واستقلالية؟ كيف؟ هل تخشون رد فعل «المنظمات الإرهابية»؟ هل هي تجعل أيديكم مغلولة الى أعناقكم؟ هل صحيح انكم تعرفون ان الكويت إحدى الدول الممولة لهذه الجماعة؟ في السابق كانت أميركا ترسل وفد الخزانة الأميركي لكي يناقش معكم كيفية محاصرة تبرعات وتمويل المواطنين الكويتيين لهذه المنظمات والذين بحثوا معنا في سبل فرض إجراءات مشددة لمراقبة أموال التبرعات لكي لا تذهب لمنظمات يرون انها تمول الإرهاب، فهل هذا حلال لهم ولكن حرام على مصر؟ يخافون على أوطانهم ويستحلون مصرنا؟
هل نفيق الآن.. ونقف وقفة شجاعة مع «مصر» الوفاء؟ هل نقف مع مصر الوقفة التي تستحقها؟ صحيح اننا ساهمنا بمساعدات مالية مؤخرا لكن ما أحوج مصر لدعمنا السياسي.. بل في الحقيقة نحن أحوج ما نكون لهذا العمل، لأننا ندافع أساسا عن الكويت قبل ان ندافع عن مصر.. فقد أثبتت الأحداث التي وقعت على مدى العامين الآخيرين ان هؤلاء يستعدون للوثوب على السلطة وكادت «الكويت ان تضيع» ومازال الخطر الإخواني ينفث سمومه عبر القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية والصحافة العربية والدولية.. ويتهدد هذا الخطر جميع الدول العربية.. فلماذا لا نتعلم من المواقف السعودية والإماراتية عميقة المغزى والتجربة؟
لا مجال لمساندة الكويت لمصر على استحياء.. اننا نستصرخكم ان تقدروا الموقف الخطير الذي تواجهه مصر.. لا نريد ولن نقبل منكم بأنصاف «مواقف» وأنصاف «حلول» وأنصاف «مواجهات» لا نريد التفكير في «الكراسي» الوزارية او النيابية.. اليوم أخاطب أولي الأمر لأقول بوضوح: ان مواقفنا تجاه الأزمة «مقبولة» لكنها ليست «كما يجب».
ان أصحاب الضمائر الحية والواعين بتاريخ الكويت وقراراتها الشجاعة يطلبون من الحكومة ان تمد أقصى أياديها لمساعدة مصر وانتشال الكويت من خطر يعصف بها ان لم تجفف ينابيع الإرهاب ومصادر تمويله وتمنع خطباءه من إفساد العقول والضمائر بفتاوى شريرة كاذبة.. وتمنع ايضا الشركات التي تعمل كواجهة للجماعات الإرهابية.
ان مسؤوليتكم اليوم عظيمة.. داخل الكويت وخارجها.. ونحن نمتلك أدوات دعم لمصر كبيرة وهائلة.. فلنستثمر ديبلوماسيتنا العريقة وذات السمعة المتميزة.. وتاريخنا في المواجهة والمؤازرة العربية حتى تخرج مصر من محنتها أو بالأحرى تخرج الكويت معها من محنة الإرهاب.. والعبرة لمن يتعظ.
[email protected]