«على وين رايحين»؟! هذا هو السؤال الخطير الذي أطرحه في مقالاتي الأربع التي أنشرها اعتبارا من اليوم، بعد انقطاع طويل عن الكتابة لأسباب عديدة، لم ينقطع فيها سؤال المتابعين والأصدقاء عن السبب الكامن وراء هذا الاحتجاب، وهل هو قسري.. أم متعمد.. أم غير ذلك؟
بداية، أشكر الجميع، كل من تابعوني واتفقوا معي، وكل من عارضوني واختلفوا معي.. وكل من وثقوا في كلمة أو حرف كتبته لم يكن الهدف منه سوى وطني أولا وأخيرا.. فالوطن كل شيء أيها السادة وبدونه لا طعم ولا مذاق لشيء حتى الحياة نفسها.
> > >
ولعلي كنت سأواصل الاحتجاب.. لولا ان المشهد الكارثي الذي أراه لم يبرح تفكيري.. كنت دائمة التفكير في هذا السؤال كلما تفاقمت الأزمة واتسعت رقعة الأخطاء.. بل الخطايا.. وكلما تتابع «السقوط».. فهذا يقع في فخ «الشخصانية»، وهذا يئن تحت وطأة «الضغوط»، وذاك يحلم بأن يحوز نصيبا من الكعكة قبل ان ينكشف المستور.. ويحين وقت الحساب!
المشهد الحالي غاية في القبح.. تعود بداياته الى تلك اللحظة التي اكتشف فيها البعض انهم لن يستطيعوا العمل مع مجلس أمة يعلو كعبه على كعب الحكومة، ورئيس مجلس أجندته الكويت وليست المصلحة والشخصانية!
> > >
لقد اكتشفوا انهم لا يريدون ان يعملوا مع مجلس منحهم «الاستقرار».. والوقت الكافي للعمل والإنجاز، وقدم لهم على طبق من ذهب فرصة لم يحلموا بها في «التعاون» من أجل الانجاز.. في تلك اللحظة أدركت الحكومة انه لا مناص لها من إعادة ترتيب المشهد.. وتغييره بشتى الطرق، فهذا «المجلس الأزرق» سيصبح لاعبا فاعلا في السياسة والتشريع.. وسيحرج الحكومة بإضافة رصيد له من الانجاز والعمل.. وهذا ما لم تكن تريده الحكومة!
ألستم معي في انه مشهد قبيح؟! بصراحة وبخبرة سنين ارهقتني متابعة المشهد خلالها.. وهذا يعود الى العلاقة «المختلة» بين السلطتين، انها مسألة ليست جديدة على الشعوب.. كل الشعوب تتعرض لها، تتعرض لمثل هذه العلاقة المختلة المؤلمة.. والشعب المصري كان آخرها، فلعلكم جميعا تابعتم كيف تعرض لمحنة قاسية تحت حكم فاشي.. حكم الاخوان.. وما لبث بإبائه وإصراره ان أسقط هذا النظام الذي تحالف مع التجار.. وهم طبقة أصحاب المصالح الكبرى.. الذين يمتلكون أقوى وأعتى الأسلحة.. والوسائل المؤثرة.. من المال الوفير إلى الاعلام المحترف.. المزور.
> > >
تحالف هؤلاء معا ضد الأغلبية المصرية المرهقة اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، ونهشوا في إمكانياته نهشا، وراحوا يبيعون مقدراته ويتخلون عن موجوداته.. سواء العينية أو المادية، وفوق هذا وذاك تعالوا عليه، وأقصوه كليا من أي صفقات سياسية او غير ذلك، فكانت النتيجة فادحة.. اتسعت رقعة الفقر.. وزادت حدتها وزادت مساحة الطبقية، في ظل تسارع تآكل الطبقة الوسطى- عماد الدولة وميزان الأمان فيها- فلاحت نذر الخطر والانهيار، ومع غياب الرقابة، وتشرذم النخب السياسية، وتكسير أجهزة الأمن وإرهابها وتشتيتها، اكتشف الشعب المصري ان تحالف الاخوان مع التجار.. او السلطة مع المال مجددا سيؤدي الى ضياع البلد.. وبالتالي فلا معنى لا شيء إذا ضاعت مصر.. وأصبحت مجرد امارة اخوانية تضاف الى بقية الامارات التي يحلم بها التنظيم الدولي للاخوان بالسيطرة عليها وإخضاعها لنفوذه.. وكان ان قام الشعب المصري بإسقاط الاخوان.
> > >
هذا المشهد المصري القبيح.. منذ زمن الاخوان.. يشبه زمن الاخوان في الكويت، لولا ان الضربة المؤلمة لهم في مصر أذهبت عقولهم مع قوتهم ونفوذهم.. ولكنها تشبه- مع الأسف الشديد- جانبا من المشهد الكويتي الحالي، مع الفرق طبعا ان الطبيعة الكويتية عندنا مختلفة، ونظام الحكم عندنا متوارث، ولدينا وفرة مالية ومحدودية في عدد السكان، هذه هي الفوارق.. فماذا عن أوجه التشابه؟
التشابه يكمن في إقامة تحالف مماثل بين الحكومة والتجار.. المتنفذين أصحاب المصالح.. المؤثرين في صنع القرار والذين يمتلكون وسائل مؤثرة في ضمير الرأي العام.. هنا مكمن الخطر!
> > >
في السابق عندما كانت الأزمات السياسية تشتد ويتزايد الصراع السياسي.. كنا نجد المعارضة السياسية غير المسؤولة- في هذا الصراع- تلجأ الى الاعتداء الصارخ على القانون، وتتعمد انتهاك الدستور.. وكان بعض النواب والنخب السياسية من المتحالفين مع النظام أو المقتنعين بأن النظام السياسي يجب احترامه، كانوا يتصدون لهذه المعارضة ويفشلون خططها وينزعون فتيل أزماتها.. إذا كان لدينا نواب يتصدون بـ «التشريع» و«المواقف الصحيحة لمخططات المعارضة ضد النظام»!
ما الذي يحدث اليوم؟ كارثة حقيقية بكل المقاييس.. فالتشريع اليوم سيصبح هو الأداة وهو الغطاء الذي سيحمي مصالح هؤلاء المتنفذين الذين يرفعون أجندتهم الخاصة.. فمصالحهم أولا.. وبعدها الطوفان!
اليوم في اعتقادي سيحدث تحول، ستتغير الأمور باستخدام «التشريع»، حيث سيفصل من أجل «سرقة الكويت» بكل ما فيها.. والمصيبة انه «لن ينطق أحد».. لماذا؟! ببساطة أيها الاخوة لأن الاعلام سيكون هو السلطة السياسية الفعلية الى جانب التشريع في أيدي التجار.. وأما الشيوخ الذين نجلهم ونقدرهم على المستوى الشخصي فسيدخلون في صراع من أجل الفوز بالسلطة ومقاعد الحكم!
> > >
أوتدرون من سيدفع الثمن؟! أقول لكم أنا وأبنائي وانتم وأبناؤكم والكويت كلها ستدفع الثمن، ولن يقف الأمر عند هذا الحد!
فالذي سيحدث هو اتساع رقعة الغليان وصولا الى الانفجار.. وبدلا من ان يكون هناك حساب لـ «كرامة وطن» كان في السابق يدار من بعض التيارات الدينية (وأعني بهم الاخوان المفسدين) والذين فشل مخططهم الشيطاني- بعد سقوطهم الذريع شعبيا وسياسيا في مصر- ستفاجئنا الأيام بحساب آخر.. يقوده شباب الكويت، الذين لن يتحملوا رؤية وطنهم يُنحر ويُذبح باسم التشريع والتنفيع.. وفي ساحة الديموقراطية.. وتحت رايتهما تباع الكويت في سوق النخاسة! وللحديث بقية.
..والعبرة لمن يتعظ
[email protected]