«المدرسة والمدرس والكتاب» ثلاثة عناصر مهمة في عملية التعلم في وقت كانت المعرفة محصورة في الكتاب عالي التكلفة نسبيا ومحدود الانتشار، فوجدت لتلك الأسباب المكتبات ثم تطلب قراءة واستيعاب وشرح تلك المعرفة المنشورة بين دفات الكتب وجود معلم يقوم بدور الوسيط ما بين الكتاب والمتعلم.
ثم جاءت الحاجة إلى المدرسة لتوفر منصة تجمع الكتاب والمعلم والطالب في مكان واحد ضمن بيئة ولوائح تنظم عملية التعلم، فكانت المدرسة هي المحيط الذي يجمع المعلم والمتعلم والكتاب.
أما اليوم فالمعرفة خرجت عن نطاق الكتاب إلى فضاء الإنترنت، والمعلم لم يعد أستاذا في الفصل مختصا بموضوع واحد.
بل - المعلم - أصبح وسيلة متوافرة بوسائل متعددة بشرية كانت أو إلكترونية خارج نطاق المدرسة والتخصص والاعتراف الحكومي، وأما المدرسة فأصبحت بلا أسوار أو فصول أو معلمين، لا جرس للبداية ولا جرس للنهاية، لا عقوبة على الغياب ولا مكافأة على الحضور، لست مجبرا على الالتزام بتخصص واحد أو عدد سنوات محددة ليتم اعتبارك متعلما، أصبح التعلم شغفا يقوده الانترنت.
لذلك، أصبح التعليم عن بُعد حقيقة وواقعا يجب إدراكه وقبوله والتعامل معه على أنه وسيلة (أو الوسيلة) الجديدة في اكتساب المعرفة، لا يحده مكان، أو سن، أو مستوى مادي أو قيود ثقافية، أما محاولات تحدي هذا الواقع فلن يغير من الحقيقة شيئا، وهي أن المعرفة تتشكل بصورة جديدة، فالطفل موجود على اليوتيوب شئنا أم أبينا وما يصنع الفرق هو ما نقدمه له من محتوى.
لذلك، دعواتي للقائمين على التعليم في الكويت بكل مستوياته إلى إعادة النظر في فلسفة التعلم ووسائله، فهل بات من الضروري أن يجلس الطالب أو الطفل على كرسي خشب لمدة ٧ ساعات ليقرأ من كتاب عن تاريخ الكويت؟ بينما يستطيع أن يتفاعل مع تاريخ الكويت كاملا على الإنترنت، هل بات من الضروري وجود ٦ معلمين بمتوسط ٤٠ دقيقة بالكاد تكفي لأخذ الحضور والغياب كل يوم في الفصل الدراسي؟ أم معلمين اثنين - خصوصا للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة- لمدد مختلفة قادرين على إيصال المعلومات بأسلوب أكثر تفاعلا وأقل تكلفة على المؤسسات التعليمية كما هو الحال في أفضل المدارس الخاصة محليا وعالميا؟ هل الجلوس في فصل مغلق وطاولة وكرسي أصلا مازال أفضل السبل للتعلم أم المساحات المفتوحة والتحرك والتفاعل؟
لعل سبل التعلم كانت تركز على استثمار الحواس الخمس (وإن لم يستثمرها حتى هذا اليوم نظامنا التعليمي) إلا أن الحاسة السادسة التي أصبحت مستقبلا جيدا لدى ذهن الإنسان هي حاسة الإنترنت، فكلنا متصلون بالإنترنت على مدار الساعة وأصبحت أول حاسة نستقبل بها العالم هي حاسة الاتصال بالإنترنت ثم توزع على بقية الحواس فلم تجاهلها؟ السبل المتبعة في التعليم اليوم تتصارع مع الواقع، وتتصارع مع رغبات الطلبة التي من الخطأ محاربتها بل التكيف معها.
فأول خطوة في العملية التعليمية هو زراعة بذور حب التعلم وليس العكس. هذا صلب محبة المعرفة والرغبة في التعلم.
أتفهم ثقل الجسد الحكومي لتبني تغييرات كبيرة ومهمة كهذه في وزارة التربية، وأتفهم حجم المقاومة الداخلية التي قد تواجهها القيادة التربوية لكن انتصار هذه المقاومة محتوم في ظل غياب القيادة الحقيقية.
مادام العالم بعد كورونا لن يكون كما كان قبله، فليكن التعليم أول مسارات التغيير ليكون التغيير حقيقيا ودائما وقائدا لبقية التغييرات.