ثمة مكان أطلق عليه الشباب (المحظوظ) بموافقة تنفيذ مشاريع صغيرة مثل المطاعم والمقاهي تسمية (سومو)، ولا أعرف من أين جاءوا بهذه التسمية، لكنها حلوة على قلوبنا نحن الرواد وأصحاب المحلات القدماء، وقبلناها منهم في حينها.
شجعناهم، فأخذهم الحماس بشعور التفاؤل، فقاموا بتحويل ذلك المكان القذر الذي تملؤه القاذورات والأوساخ، وتسرح وتمرح به الفئران والقطط في كل زاوية من زواياه، تشوه جدرانه آثار «البان الأحمر» الناتجة عن عادة سيئة اعتاد بعض الآسيويين عليها، خاصة في ذلك السوق المهم بتاريخه، الشامخ بأصالته، المظلوم بقيمته، ليصبح حينها طاردا احتل موقعا مميزا في أفضل أسواق الكويت العريقة، تحيط به دروازة عبدالرزاق شرقا، وسوق بن دعيج شمالا وغربا، ويجاوره أول وأقدم مبنى لمواقف سيارات متعدد الأدوار في الكويت، يلامس أطراف حدود أسواق المباركية الحاضنة لجزء من تاريخ الكويت، فأمسى هذا السوق لا يمت لمجتمعنا بأي صلة، ليكتسي حلة غريبة علينا ويكون قبلة لزبائن محددين فابتعد عن المستهلك الكويتي ذي الطابع المختلف بسلعه الاستهلاكية وغيرها.
لتحين مشيئة الله ويختاره مجموعة من الشباب الكويتي الواعد، فقاموا باستئجار مجموعة مختارة من محلات هذا السوق، بعد أن دفعوا مبالغ (خلو) طائلة مقابل الحصول على هذه المحلات، اعتقادا منهم بنجاح أفكارهم الناشئة التي ستقودهم إلى تحقيق الأرباح والتربع على قمة العمل الحر، فتخطت جهودهم القيام بإعادة تأهيل هذه المحلات ليحولوها إلى تحفة رائعة شملت بمجموعها مقاهي ومطاعم ذات تصاميم رائعة من (ديزاينات) شرقية وغربية وتاريخية نجحت في جذب الجمهور، وتعدت جهودهم تلك وتحملوا الأعباء المالية الطائلة بتحويل ساحات وممرات هذا السوق الى أيقونة جميلة شكلت بمجملها لوحة تشكيلية فنية رائعة قلما تجد لها مثيلا، انه إبداع كويتي من شباب كان التفاؤل منهجه، والعمل عنده عبادة، والرؤية بمخيلته فريدة، والهدف عمل حر غير مقيد يطلق لهم العنان بمحاكاة للآباء والأجداد، الحق يقال، الشمس لا تغطى بالغربال (المنخل) إنهم عيالنا (بنات وأولاد، شقردية) هذا السوق الهجين الذي أصبح بساحاته وزواياه تحفة معمارية تحاكي ثقافة المجتمع وتاريخه، فرضت نفسها على زوار ذلك المكان، فأمسى قبلة الشباب وعائلاتهم حتى استطاع يوما أن ينافس أرقى المواقع التجارية الحديثة ويمتاز عليها بلمسته التاريخية وجماليات الإبداع الكويتي من رسومات وملصقات تتبادل مع رواد السوق الضحكات مرة والفرح والشعور بالإنجاز والتميز مرة أخرى.
بجهودهم فرض هذا السوق نفسه على الجميع دون استثناء، خاصة في موسم الشتاء الذي استطاع زواره استنشاق عبق الماضي الممزوج بأصالته، فاحتضنه المستقبل بتفاؤله فكان سومو!
ثم أتى موسم الصيف (اصح يا نايم) فأنت تحت رحمة طقس الكويت ولواهيبها الحارة الحارقة معاد (سومو) هو الذي يعرفه زواره، ولم تكن تلك الزوايا والنماذج فائقة التميز باقية، كل شيء انتهى.
إنه الفشل الذريع في التخطيط وتنفيذ الرؤية والهدف، هكذا تنتهي قصة شباب الأعمال ونجاحهم وتعود الوساخة لمكانها، زيارة لذلك المكان سيتضح لنا النجاح لا يورث، وأن رؤية وخطط المشاريع الصغيرة تحتاج (بريك) كي نعيدها استراتيجيتها بما يتوافق وحقيقة عيالنا ورؤيتهم الطموحة!