لم تسعنا فرحتنا وسعادتنا في ذلك اليوم عندما اتصل والد الحدث (م/ع) ليخبرنا بأنه قادم على الفور لتسلمه من دار الضيافة، مطالبا بإنهاء جميع إجراءات خروجه من المؤسسة وانه عازم على تسلم ابنه نهائيا من الدار والقيام بتربيته بنفسه وإنهاء معاناته النفسية والاجتماعية بعد أن اكتوى بنار الفراق عن أمه وأسرته والعيش بكنفهم.
أودع (م/ ع) ذو السنوات السبع بدار ضيافة الأحداث المعرضين للانحراف واستمر بها سنوات خمس عجاف تلقى خلالها برنامجا مختصا لرعايته اجتماعيا ونفسيا ليتمتع بتربية خاصة على أيدي الجهاز الفني من الاختصاصيين الاجتماعيين والاختصاصيين النفسيين التي مهما بلغ اهتمامهم ورعايتهم فلن يبلغوا جنة الوالدين او حتى جحيمها! استقبال ورعاية هذه الحالات من واجبات الدولة النوعية كي يحظوا برعاية شاملة وفق مقتضيات قانون الأحداث الكويتي «111/2015» وهم الفئة التي أكملت السنوات السبع ولم تتم الثامنة عشرة وتعرضوا لمثل هذه الأحوال وغيرها.
ويتم أحيانا إيداع الطفل بطلب من ولي أمره أو إذا ارتأت الجهات المعنية مثل المدرسة أو الداخلية... الخ بهدف حمايتهم من الوقوع بأفعال يعاقب عليها القانون.
نعود لقصة حدثنا، فقد أودع بطلب من والده عندما احضره إلى إدارة رعاية الأحداث طالبا تسلمه مبررا عدم قدرته على تربيته وأن أسرته تعيش حالة تصدع وأنها غير مهيأة لتربيته ويخشى قيامه بأعمال يخالف عليها القانون.
سألت مسؤولة الدار عن قرار والده المفاجئ بإخراجه من الدار، فقالت: جميع الجهاز الفني يعيش حالة من الذهول من هذا الطلب وقراره العجيب والغريب بتسلمه! وهو الذي كان يرفض رفضا قاطعا حتى زيارته والالتقاء به في الدار ولو لدقائق كي يساعدنا على تخطي آلامه النفسية التي يعاني منها بسبب رفض والده المتكرر لزيارته لسنوات حتى قام هذا الأب يوما عندما اتصل به المسؤولون في الدار طالبين «بكل رجاء» زيارة ابنه، فرد عليهم برد قاس طالبا إياهم بعدم الاتصال به وتكرار طلب زيارته لولده، مهددا بتقديم شكوى إهمال تربية ابنه والرغبة في تخلص الدار من رعايته! نكمل القصة: حضر الأب وتسلم ابنه في أجواء احتفالية لهذا الابن الذي عاش لحظات طالما حلم بها.
احتفل جميع من في الدار على إيقاع فرحة الابن الذي لم يكن يوما بهذا المقدار من السعادة.
خرج مع والده الذي يحتضنه بعد أن وزع عليه القبل ليغادرا الدار وسط دموع فرح الجهاز الفني الذي يسيطر عليه ذهول تحول جفاف الأب إلى ربيع الرضى.
في الساعة الثانية عشرة ليلا يسمع العاملون المناوبون في الدار قرع الباب وبعد إعطاء تعليمات استقبال الطارق، وإذ بالابن عائدا من والده طالبا الموافقة على إيداعه بالدار وإلى فراش المؤسسة الذي لم تمر ساعات على تركه، طالبا عدم الموافقة على تسليمه لوالده مرة أخرى بعد أن أدرك أن سبب حضور والده لتسلمه لم يكن اشتياقه له بل ليحل محل خادم «الجاخور» الذي سافر لقضاء إجازته السنوية! وعليه هرب سريعا عائدا، لكن هذه المرة لأجل مكتوب، لعله يدرك جيدا ما بعده ذلك من أسى وقهر ينتظره ومن آلام وآمال.