تلك هي أحوال العاشقين، كل يوم لهم أحوال، فيها الدموع، فيها الفرح، دنياهم غريبة عجيبة، ثورة العاشق منهم متفجرة ومشاعرهم جياشة ودموعهم تنهمر أنهارا لاقترابها من كل مؤثر ومحرك يخفق القلب، يضطرب الفؤاد مرتجفا، تسمو المشاعر عشقا ويهتز كيان المحب طربا.
في حفل غنائي بهيج صدحت كلمات ليست كالكلمات، فأهدت الحضور شمسا بعد أن أرخى الليل سدوله، ذهبت بهم إلى البعيد خيالا وإلى اللاإدراك.. جنونا، فحطت بهم على إحدى الغيمات تمنح الحضور قامات وهامات، ولعذوبة اللحن كنز ذو معان تخلت عن تفسيرها معاجم اللغات.
تستمر إحدى فقرات الحفل بوصف «المذهلة» ويتساءل شاعرها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن مساعد «أهي حقيقة وممكنة أم خيال أم ان سهلها صعب المنال أو صعبها تستسهله؟!» تغادر العاشقة حقولها القريبة باتجاه الصوت والضوء وأم الحفلات، وصلت.. دخلت.. فحطت.
تستمع إلى ما هو آت «مذهلة.. ما هي بس قصة حسن، رغم أن الحسن فيها بحد ذاته مشكلة».
تجاهلت مقاعد الجمهور وكل المنصات، تقترب منه أكثر فأكثر دون خجل أو خوف، الكل يناظرها، حتى منظمو الحفل تعطلت سيطرتهم ونظام التحكم والهدوء والالتزام.
تشبثت وتمركزت، في درجة جلوس تفوقت على كل الدرجات، يكمل العملاق شعرا وطربا «كل شي فيها طبيعي، ومو طبيعي، أجمل من الأخيلة، طبيعتها، قسوة جفاها ضحكتها» هذه أحوال العاشقين، يشتد العشق داخلها، تتلذذ أكثر بالاستماع والاستمتاع، قربها منه جنون، تفاعلها تحد، طربها غلو، نشوتها تطرف، فأمسى حضورها مذهلا! فاختالها الحضور بشوقها وتحديها وتعديها ما هو إلا عشق مجنون، هكذا هو حال العاشقين!
اقتربت منه أكثر، حبس المشاهدون والحضور أنفاسهم، واشتعل منظمو الحفل جزعا من آلات، ماذا ستكون ردة فعل ذلك العملاق الذي يمتع الحضور طربا عندما تلامس أسطره تمادي عاشقة أخذها الشوق للهلاك؟ قد تهتز الكلمات وتتداخل الألحان ويكشط الخوف أحبال حنجرته فتخرج الألحان عن سلم موسيقاها وتجنح الأوركسترا تبرءا بنهجها ويهيج الجمهور خوفا، يكمل: «مذهلة، ليه كل معجز من هذا الكون فيها له صلة؟».
في هذه اللحظات تقتحم الممنوع، واستشعر العملاق بها، تبعثرت دوائر نقل الحفل وأغلقت أجفان المخرج رعبا وصمت الحفل إجبارا، فطالب الجمهور بإبعادها عنه ومعاقبتها، تلك هي أحوال العاشقين!
لكنه يكمل «ليه كل لا معقول فيها، ورغم هذا تعقله؟ هيبة بكاها، روحها، حدة ذكاها، تملؤك بالأسئلة، مذهلة» ثم استشعر العملاق وجودها، تماديها إلى حد الجنون ليلقي القبض عليها ويمنحها حق الهروب من دون أن يشعر به الضرير والمستمع، فكانت ثقته صمام أمان أكمل به الحفل دون التنكيد على كل من حضر الحفل، ليكمل الفرح لمجتمع يستحق الفرح، ولا يأبه لجرادة عاشقة أخرى قد تقتحم سعادته في القادم من الحفلات، لمجموعة إنسان أم بمغرم أضناه الشوق في ليلة خميس أو حتى ماله ومال الناس.