يقول: لم يدخل (فلان) المسجد يوما لأداء إحدى فرائض الصلاة الخمس أو حتى للاستماع لموعظة أو درس ديني أو حضور خطبة من خطب أيام الجمع، لأن البيئة التي ترعرع بها بعيدة كل البعد عن مثل هذه الأجواء الإيمانية.
أضاف: جلس يوما معي دون أن أعرف عنه شيئا حول أخلاقه وسلوكه وان كان يصلي أم لا، تبادلنا الحديث تلو الآخر حتى منتصف الليل لأستأذنه بالمغادرة.
حرص هو على اللقاء بي بالغد لاستكمال (السوالف) معي، فقد كان مستمعا جيدا وحرص على المضي قدما للالتقاء به مرة أخرى.
يكمل: طلب الجلوس معي فحددت له عمدا موعدا قبل صلاة عصر اليوم الثاني فوافق دون أن يدرك الأسباب، حضر في الزمان والمكان المحددين.
تبادلنا التحية ومثلها الحديث والخوض في مواضيع تهم طرفينا، وعندما حان موعد صلاة العصر دعوته لمصاحبتي لأداء الصلاة جماعة في المسجد ليصدمني بقوله (أنا ما أصلي)!! رجعت إليه بعد أداء فريضة صلاة العصر وأكملت جلوسي وأنا (كاش) منه لعدم جواز مصاحبته مصداقا لقول معلم البشرية صلى الله عليه وسلم «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة»، وذلفت إلى وضع خطة محكمة للخلاص منه، فمصاحبته لا تجوز شرعا.
اتصل بي كعادته يود تحديد موعد للقاء به فاعتذرت مع تقديم بعض الأسباب الواهية حتى يدرك رسالتي بعدم الرغبة في اللقاء به مرة ثانية، لكنه أصر على تحديد موعد آخر فرفضت هذه المرة بشكل صريح، مما شكل عنده ردة فعل استوعبها بكل أبعادها سائلا: (أنا ما أبي فلوس منك.. ليش تتهرب مني؟) قلت: بصراحة (أنت ما تصلي وإذا تبي تشوفني.. انطرني في المسجد اللي عند الجمعية) بعد أذان مغرب اليوم، فوافق على الفور، حيث عزمت الأمر على إيضاح خطورة تركه للصلاة، فإن ذلك يعد كبيرة من الكبائر، حيث يقول الحق تبارك وتعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) فكيف بتارك الصلاة؟ وصلت المسجد مبكرا والتقيت بالأمام والمؤذن وحدثتهما عنه طالبا منهما بذل كل ما بوسعهما في إقناع من سيأتي فهو شخص (ما يصلي) وذلك بأسلوبكما المقنع الذي عهدتكما به، لعل الله أن يكتب على يديكما هدايته فأنا أعرف أسلوبكما المبسط في توعية المسلمين واتباعكما منهج الوسطية، في هذه الأثناء دخل علينا (فلان) يجر خطاه باتجاهنا وعيناه عالقتان بجوانب المسجد مبهورا ومستنكرا التصاميم الزخرفية الجميلة ذات الطابع الأندلسي وبأجوائه الإيمانية فبدت مؤشرات الطمأنينة تنسكب على نفسيته قسرا، وقف هناك دون أن يرانا جالسين بقربه، فسكينة الفؤاد تجري بشرايينه يتجرع هدوءا واسترخاء دون علم وإدراك لمصدرها، وابتسامة محياه اكتست ثم تجمدت على وجنتيه فانتعشت السريرة وانشرح الصدر فهدأ الحال على خلاف ما كان عليه الحال، فحضرت نشوة اللقاء واستعدت العبارات بنطق حلو الكلام (السلام عليكم) بعد أن أيقن مكان جلوسنا فالموعد في أحد بيوت لله، بطهره تكنس أدران السنين، وأحزان لا تطيقها الأزمان، جلس بقربنا دون أن يبدي رأيا أو حتى طلبا (لماذا الموعد في المسجد يا صديقي) أطبق الصمت على شفاه بعد أن توسد راحة كان يحلم بها وابتسامة ترسم خطوط مستقبل آت..
أهلا يا أخي أعرفك بنفسي أنا إمام المسجد وهذا المؤذن، هل أنت على وضوء حتى تدرك معنا صلاة المغرب؟
يكمل صاحبنا حديثه: تصدق؟ لقد أصبح شخصا آخر حمدت الله على انني كنت يوما سببا في هدايته وشكرت إمام المسجد ومؤذنه على اتباع منهج الوسطية في دعوته للهداية. اتصلت به يوما طالبا مقابلته قبل صلاة العشاء فرد علي ضاحكا (انطرني بالمسجد) وستراني.