على غير عادتها وكما هو المقدر والمكتوب من خالق البشر علام الغيوب، فاقت الكويت والكويتيون منذ أيام على خبر وفاة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان الشقيقة، رحمه الله، لتتحول الكويت من أعلى رأس في قمة هرمها ورمزها وأميرها وقائدها صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله ورعاه، مرورا بأصغر مواطن في الكويت، وانتهاء بفصائل عدة للمجتمع وببعض من يعيش على أرضها، فتوشحت حزنا، وتنحى الفرح والابتهاج جانبا وتوقف قطار الفرح الذي اعتاد زيارتنا في مثل هذا الوقت من كل عام ليعلن الحزن وتترجم تعابير الأسى بفقدان رجل أحب الكويت وأحبته، زعيم انتهج السلام موطنا والمحبة دروبا، ساهم في تأسيس مجلس التعاون الخليجي مع قادة سبقوه للبارئ عز وجل، انتقل لجوار ربه فجر يوم السبت الحادي عشر من هذا الشهر ليكون في العالم الآخر وإلى ربه راجع لا محالة ليقضي أمراً كان مكتوبا فهذا قدره المحتوم الذي نؤمن به إيمانا مطلقا لا شرك ولا شك ولا ريب فيه (كل نفس ذائقة الموت) «آل عمران: 185».
منذ أن تلقيت هذا النبأ وإثر ذلك المصاب الجلل (تسمرت) في مكاني أمام جهاز التلفاز أترحم عليه تارة وأعبث عمدا في التنقل بين القنوات الفضائية الدولية الرسمية منها والخاصة تارة أخرى لأشاهد وقع خبر وفاة السلطان قابوس، رحمه الله، ودرجة التفاعل مع هذا الحدث الحزين، فلم أجد ما أقتنع به، ولا وجود لمظاهر الحزن ولا انقطاع لبرامج معتادة أو ذكر لقول كريم نُشنف به مسامعنا لأقترب أكثر لمحيطنا الإقليمي، فلم يشد انتباهي سوى قلة من قنوات تلفزيونية هنا وأخرى هناك لا تعيش الحدث بقدر حجم الحدث فعدت لقنواتنا الرسمية والخاصة التي اتشحت حزنا وعكست الشعور الرسمي والشعبي موقفا وترسخ الثبات تألما يداويه إيماننا المطلق والمدرك والمؤمن بقضاء الله وقدره، بخلاف غيرها من المحطات التي اكتفت بنقل وإعادة البيان الصادر عن البلاط السلطاني العماني وتناقلته وكالة الأنباء العالمية أجمع بإعلان وفاة السلطان قابوس، رحمه الله، وذلفت بعض تلك القنوات بتخصيص فقرات قصيرة للحديث عن مآثره ومن ثم العودة إلى استكمال برامجها المعتادة والمعدة سلفا!
انتظرت ساعات تلو الأخرى فلم تغير تلك (الميديا) مواقفها واستمرت في بث برامجها المعتادة، لأعود إلى قنواتنا الكويتية الفضائية الخاصة منها والرسمية فأجد ذلك التفاعل المعبر عن الحدث لا زيادة للرياء والمجاملة والنفاق، ولا نقصان به فيقع التقصير والجحود والنكران، وعند التدقيق والتقييم لهذا الموقف الحكومي والشعبي للنشاط الإعلامي الموجه للحدث والتغطية الإعلامية المميزة من خلال عمل الاستطلاعات حول الكيفية التي تلقى بها الشارع الكويتي نبأ الوفاة أو التحقيقات الإعلامية عن السلطنة والكيفية التي استطاع السلطان قابوس تحويلها إلى دولة حديثة ينقلك ذلك الجهد إلى آفاق أبعد وأشمل لينكشف لك مدى ما قام به السلطان قابوس، رحمه الله، في خدمة بلده وشعبه وإلى الترابط المتين لوشائج اللحمة الخليجية بعد أن التقطت كاميرات التلفزيون وغيرها ذلك التعبير والشعور الثابت بالصدق العفوي للشارع الكويتي الذي عكس وعبر عما تختلج به أفئدتهم من مشاعر ثابتة وأحاسيس صادقة ترجمت حقيقة أناشيدها الخالدة والتي منها (أنا الخليجي).
حينها دعوت الله أن يعيد تلك اللحمة الخليجية بعد أن أصاب أحد جوانبها بسقم الأمراض ليعود هذا الكيان قويا قادرا على علاج الألم على أكف وأجنحة الأمل لتحلق كرامة الشعب الخليجي في آفاق حدودها الطبيعية لتعلن من جديد أن خليجنا واحد وشعبنا واحد.
وأن الثبات والشعور في الإحساس بالألم.. واحد، وكذا المشاعر والحزن المحسوس مطابق وواحد في فقد السلطان قابوس.