دعينا يوما أنا وصديق لحضور إحدى الندوات الثقافية في الكويت، وبعد وصولنا متأخرين قليلا توجهنا على الفور لمكان الندوة، وعند دخولنا من الباب الرئيس توقفنا فجأة نتبادل النظرات تارة ومبحلقين أعيننا باتجاه الجمع الغفير الذي امتلأ به المكان تارة أخرى، مبدين استغرابنا وإعجابنا بما نشاهده من حضور شبابي كثيف من الجنسين على غير العادة، استمر بنا الحال دقائق قليلة دون أن ينتبه إلينا أي من الحضور.
همست بأذن صديقي: (تشوف اللي آنا أشوفه)؟ قال: (ولا واحد فيهم لابس غترة وعقال.. صح.. شرايك ننحاش)؟ يقطع حديثنا أحد أعضاء لجنة الاستقبال: أهلا وسهلا (بالدكاترا) تفضلوا من هنا وهو يشير بيده الى مقاعد المدعوين. جلسنا بهدوء تام كما هو الحال لأجواء المكان، الجميع يستمع الى المحاضر باهتمام بالغ عدا نظرات من هنا وهناك تسترق النظر نحونا لتزيد من حيرتنا وسط استهجان متنام بعدم وجود من يرتدي اللباس الشعبي الكويتي سوانا!! يزداد وضعنا سوءا ليجبرني على التشاور مع مرافقي حول أهمية استمرارنا من عدمه، فرد علي غاضبا: (لا تفشلنا خلك طبيعي) أكملنا مشاركتنا حتى نهاية المحاضرة ليبدأ فصل جديد جعلني أهرب من الباب الخلفي عندما قام عريف الندوة ومن باب الاستفادة باستئذان الحضور بتقديم شخص يعقب على المحاضرة والتي كانت بعنوان (الحداثة وتطور المجتمعات الخليجية) لأفاجأ بأنني المقصود (يشير عريف الندوة بيده نحوي قائلا.. تفضل دكتور لتعقب وتبدي رأيك) حاولت النهوض من على الكرسي بصعوبة بالغة لم أعهدها من قبل، وصلت بخطى ثقيلة لمنصة الإلقاء وقمت بتحية الجمهور بادئا بالقول: شاهدت قبل أيام مباراة أقيمت في الشقيقة قطر بين المنتخبين الشقيقين السعودي والقطري، صرفت النظر عن المباراة ومجرياتها وركزت مشاهداتي على المدرجات الملأى بالمشجعين من الدولتين وسررت بعدم مشاهدة أي منهم يرتدي غير اللباس الشعبي (الدشداشة والعقال) ومناسبة تركيزي على هذا الموضوع هي تلك المقارنة التي أجبرتني القيام بها مع ما شاهدته لجمهور بلدي وبلد آخر عندما بحثت بينهم عن أحد منهم يرتدي الدشداشة والعقال فلم أجد!
سألت صديقي الجالس بينكم ماذا حل بنا؟ قال: لا تستغرب!! نعيش تغيرا اجتماعيا سريعا يؤثر في بنائنا المجتمعي وفي وظائفه، ينصب أحيانا على تغير في القيم والمعايير، التي تؤثر في سلوك الأفراد وتحدد مكانتهم وأدوارهم في مختلف التنظيمات الاجتماعية. جيرث «Gerth» وملز «Mils» يعتبرونه تحولا يطرأ على النظم الاجتماعية، وقواعد الضبط الاجتماعي التي يتضمنها بناؤنا الاجتماعي. أما روجرز «Rogers» فيقول ان هذا التغير أما أن يكون مخططا له أو غير مخطط. وأنا أقول أن التغير الاجتماعي عصف بنا وأنسانا الالتزام بعادات جميلة كانت يوما معيارا للرجولة (والتكانه والاستقامة) هي الغترة والعقال كما هو الحال معكم، لقد كان الأولون يرشدوننا دائما بحسن اللباس ليزدان مظهرنا (سنع عقالك وعدل غترتك يا ولد) حتى نكون بلغتكم اليوم (wwwooo) شكرا.. وهربت من الباب الخلفي لقاعة المحاضرات تاركا صديقي يواجه مصيره.