وقفت أمام مدخل طوارئ مستشفى العدان منتظرا جهود إنقاذ أقارب لنا انقلبت بهم السيارة أثناء عودتهم من الشاليه، كانت ليلة غير، أطفأت برودتها حرارة الخوف والهلع على مصير طفلة لا تتعدى سنواتها السبع كانت تجلس في المقعد الخلفي بصحبة مربيتها وعمتيها اللتين تجلسان في المقعد الأمامي وتقود إحداهن السيارة عند انقلابها. طال الانتظار وتضاعف القلق الذي خفف وطأته هكذا نوع من الاهتمام والرعاية الصحية! تطول دقائق الانتظار ويزداد القلق والخوف على مصير من هم في الداخل دون أن نتلقى أي إشارة أو معلومة عن حالتهم ومدى خطورتها، ولا حتى معلومة «نشحذها» من (ملائكة الرحمة) هنا أو طبيب هناك يطمئنوننا على مصابينا بسبب تذرعهم بأن (دول مش حالاتي!!) الكل مشغول، والحذر من ارتكاب خطأ بتوجيه سؤال عن صحة مريض لك حتما سيرتفع (سكرك وينزل ضغطك!) الانتظار يطول والبرد يشتد أكثر مع اقتراب ساعات الفجر الأولى.
يزداد عدد سيارات الإسعاف وتستمر بالوصول إلى قسم الطوارئ محملة بالمرضى والمصابين جراء حوادث مختلفة منهم ضحايا حرب الشوارع المتزايد عددها في تلك الليلة، يطوفون علينا فيصبون في آذاننا أنين وويلات سقمهم أو إصاباتهم من الحوادث، وآخرون لا تقوى على مشاهدتهم من شدة الإصابة ليجبرك الموقف بأن تذكر نِعم المولى عليك بأن أسبغ عليك الصحة والعافية. تغادر سيارات الإسعاف وتأتي مثيلاتها وأخرى تقف بعيدا تنتظر دورها وهناك من يزاحمها من سيارات المواطنين والوافدين الذين ينقلون مرضاهم الى قسم الطوارئ، فشبه لي المنظر بمستشفيات الدول المنكوبة التي تعاني ويلات الحروب والكوارث (أعانهم الله). مشهد غريب غير معتاد لأعداد المصابين والمرضى، والملفت للانتباه ذلك الجهد والعمل الدؤوب الذي يقوم به المسعفون الذين امتازوا بالإتقان في الدور الإنساني الذي يقومون به، فتركوا في نفسي انطباعا جميلا لفريق عمل تجرد من وصفه الوظيفي ليستبدله بوصف مهني إنساني بكفاءة واقتدار (مو بس آنا) المعجب بهم خلال ٧٧ دقيقة هي فترة انتظارنا أمام باب طوارئ مستشفى العدان فهم من قام بإنقاذ الكثيرين من (حلج) الموت وآخرين من ويلات ما أصابهم ومنهم من كنا ننتظر إنقاذهم وعلاجهم بالداخل لأن تفاصيل انقلاب سيارتهم غريبة، فلولا الله ثم جهود الأبطال المسعفين لكانت النتائج بعلم الخالق المنقذ.
لقد استقرت سيارتهم بعد انقلابها وانحرافها جانبي الطريق في حفرة لأحد المشاريع القائمة على طريق الملك فهد السريع لتتوارى عن الأنظار الأمر الذي صعب على المسعفين العثور عليهم بسهولة، حيث تطلب الوضع بذل جهود مضاعفة وجبارة اتصفت بالبطولة والاقتدار، وكان بإمكانهم القول (والله ما حصلناهم) لكن عندما يتجرد الموظف المسعف عن وظيفته ويرتدي عباءة النبل ليتجلى عملهم بإنقاذ مصابينا وإيصالهم للمستشفى ثم يتحولون بعد ذلك تحت رعاية ورحمة جهاز آخر قوامه الأطباء والممرضون الذين نسف بعضهم كل الانطباع الجميل الذي تمركز في ذهني وأسعدني لصورة جميلة وواقع وظيفي مهني إنساني رائع عكس جهود وزارة الصحة، ليأتي بعض الأطباء ويقدمون لنا مثالا مخالفا سيئا محبطا في التعامل مع المرضى بأسلوب (مستعد لذكره لكل من يهمه الأمر) لعله يضمن لنا الإصلاح ويعيد تفاؤلنا، فمع الألم أمل، ومع الحرص والرقابة تقييم وتقويم، ومع (العين الحمرا) أفق جميل متسلح بالتطوير، وإن كل من يدرك العقوبة لن يسيء التقدير، فتصحيح الخلل ومعاقبة المقصر مطلبان ملحان. كمتلقين للخدمات أدركنا إبداعات المسعفين فكيف لا نكون مدركين لإبداعات الأطباء إن وجدت؟ هل يتغير الحال أم هو من المحال؟