قبل وجود الهواتف الحديثة كانت هناك نكتة تتداول بيننا عبر الأجهزة القديمة أسمعها دائما وكانت تضحكني، وهي عن حيوان مفترس لا يحب الطيور وكلما رأى طيراً ضربه دون سبب وليس له عذر غير أنه كطير لم يلبس طاقية (الطاقية غطاء للرأس). المهم زاد الهم على الطيور واشتكوا للحمار الكبير وهو المسؤول عن هذا الجزء من الغابة آنذاك، فتدخل الحمار بحكمته المعهودة وقال للحيوان المفترس لا تضرب الطيور إلا بسبب أي بمعنى آخر اطلب من الطير تفاحة مثلا.. فإن أتى بها باللون الأحمر اضربه بحجة انك تريدها باللون الأخضر، فلبس الطاقية ليس سببا للضرب والطيور لا تلبس «الطواقي»، فطلب الحيوان المفترس من أحد الطيور تفاحة فسأله الطير تريدها بأي لون؟ فـ «توهق» الحيوان وما كان منه إلا أنه ضرب الطير بحجة أنه لم يلبس طاقية إلى الآن.
وبعد الكثير من تطور أجهزة الهاتف ما عادت تضحكنا أبدا تلك النكات فالأفق أصبح أرحب.
وافدون... أم فاسدون؟ متى نتعلم كأمة أن نعلم كيف يدار المشهد الإعلامي حولنا فنحن ضحية تصريحات مدروسة وبشكل واضح كأن نقول البلد زحمة والشوارع ذات كثافة عالية، ونضع اللوم على الوافدين، وأنهم هم السبب وهم من يتسبب بذلك، وننسى أننا نحن من تسبب بهذا الفساد الإداري كالتراخيص والإقامات والعمالة الهامشية التي هي دون مبرر غير التكسب المادي لبعض المتنفذين، وإن قبلت الدولة بهذا الكم من الوافدين فمن الطبيعي أن يستخدموا الطريق الذي لم يهيأ أصلا لكل هذا العدد، ولم تعد البدائل لهم للنقل في شوارعنا كالقطار والمترو. هنا من المُلام نحن أم الوافدون؟ أليس هذا الكلام كالنكتة القديمة هل هذا حقا هو السبب؟
وافدون.. أم فاسدون؟
هل ساهم الوافد بضياع المال العام والمهدور؟ هل ساهم الوافد بتزوير الشهادات لرواد العلم المسروق الذين يتسببون بالدمار الفكري للوطن؟ هل حدد الوافد أسعار القبيضة؟ هل عطل الوافد عجلة التنمية في الوطن سابقا بحجج واهية؟ هل دمّر البيئة البحرية والبرية بمخلفات المصانع والنفايات الصلبة والسائلة بشكل يهدد الكثير من الموارد الرئيسية عندنا؟ هل ناور بوجه بارد تحت قبة عبدالله السالم واستمات بالدفاع عن باطل لأجل هدف شخصي؟ هل؟ وهل؟ وهل؟
دعونا لا نرى الأمور من منظور موجّه من قِبَل بعض الإعلاميين الذين يغذّون فكرة من وجهة نظرهم المحدودة والتي لا طائل منها إلا الخواء، ومن الفطنة أن نكون ذوي رأي ونظرة ولا نُدار بحسب أهواء الغير، كيف تقوم الدولة لولا الوافدين؟
أنا هنا لست للدفاع عن أحد ولكن إحقاقا للحق وعملا بالعقل لا نقبل بأن يُساق الفكر في وطننا بعقلية الحيوان المفترس الذي أشار عليه الحمار بفكرة تغطية الفساد وإشهار صغار الأمور كالمشاكل البسيطة للوافدين، والتي نستطيع حلها بخطة دولة حقيقية تحفظ لنا ولإخواننا الوافدين كرامتهم وتقنن ما يخل بأركان الدولة وتركيبتها السكانية وغيرهما مما يقلق من يشعر بالقلق منهم، وبكل بساطة دون إثارة حفائظ النفوس، فمن يحب أن تلبس الطيور الطواقي عليه لبسها أولا.. لا التهكم وإبداء أضعف الحجج على من لاحول ولا قوة لهم.
[email protected]