نرمين الحوطي
كانت والدتي «رحمها الله» تقص علي قبل النوم قصة، واستمر هذا الحال الى ان فارقت الحياة، والغريب في قصص والدتي انها كانت تبدأ بمحاورتي عما قمت به من افعال سواء أكانت جيدة أم رديئة، ومن خلال ما أرويه تبين هي لي ما قمت به من اخطاء دون اي تأنيب على ما فعلته، وفي يوم كنت اروى لها ما قمت به من افعال، ولم يعجبها حديثي، واذا بها تقوم بسؤالي: هل انت فخورة بما فعلتيه اليوم؟، فقلت: لم افهم! فقالت: كوني فخورة بكل الاشياء الصحيحة التي قمت بها في حياتك، فقلت: وكيف اعلم ان ما اقوم به صحيح، فأجابت: ما رأيك بقصة أرويها لك لتتعرافي ما هي الاشياء الصحيحة، وكيف تميزين بين الصح والخطأ؟ من البديهي الرد بالموافقة لانها كانت تروي قصصها بمزيج من الدفء والحنان الذي افتقده الآن.
تحكي القصة عن ملك ووزرائه الثلاثة الذي طلب منهم في يوم ان يأخذ كل منهم كيس ويذهب الى بستان القصر، ويملأ هذا الكيس للملك من طيبات الثمار، كما طلب منهم عدم طلب العون من احد ولا يسندونها الى احد آخر وان يقوم بهذه المهمة بمفردهم، استغرب الوزراء من طلب الملك، فأخذ كل وزير كيسه وانطلق الى البستان ليتمم مهمته، فأخذ الوزير الاول بتجميع اطيب وافضل الثمار في البستان لارضاء الملك حتى امتلأ كيسه، اما الوزير الثاني فقد كان مقتنعا بان الملك لا يريد الثمار ولا يحتاجها لنفسه وانه لن يتفحصها، فقام بجمع الثمار بكسل واهمال فلم يتحر الطيب من الفاسد، حتى ملأ الكيس بالثمار، اما الوزير الثالث فلم يعتقد ان الملك سيهتم بمحتوى الكيس اصلا، فملأ الكيس بالحشائش والاعشاب واوراق الاشجار.
وفي اليوم التالي امر الملك ان يؤتي بالوزراء الثلاثة مع الاكياس التي جمعوها، فلما اجتمع الوزراء بالملك، امر الملك الجنود ان يأخذوا الوزراء الثلاثة ويسجنوهم، كل واحد منهم على حدة مع الكيس الذي معه لمدة ثلاثة اشهر، في سجن بعيد لا يصل اليهم فيه احد، ويمنع عنهم الأكل والشراب، فأما الوزير الاول فأخذ يأكل من طيبات الثمار التي جمعها حتى انقضت الاشهر الثلاثة، اما الوزير الثاني فقد عاش الشهور الثلاثة في ضيق وقلة حيلة معتمدا على ما صلح فقط من الثمار التي جمعها، اما الوزير الثالث فقد مات جوعا قبل ان ينقضي الشهر الاول.
وهكذا عزيز القارئ كان سؤال والدتي لي والذي أسأله انا اليوم لك عزيزي القارئ: اسأل نفسك من اي نوع انت؟ فأنت الآن في بستان الدنيا لك مطلق الحرية في الاختيار، لكي تكون فخورا في حياتك.