يقول غوستاف لوبون في كتابه الشهير سيكولوجية الجماهير ما معناه أن الجماهير البشرية لها طريقة في التفكير والتفاعل كجمع تختلف عن طريقة كل فرد مكون لها، فالفرد يستعمل المنطق والقياس ويبتعد عن العواطف الخادعة، بينما الجماهير ما هي إلا كشخص لا يعترف بالمنطق وتقوده العاطفة والحماس وله نزعة عدوانية ومعاييره الأخلاقية تكاد تكون منعدمة، بغض النظر إن كان الجمع جمعا من الأطباء أو العمال أو المدمنين، ويعقب لوبون إن شخصا عاقلا واحدا أوعى من جمهور كامل مهما كان حجمه!
الجماهير لا تفكر بل تتأثر، وسيد الجماهير الفصيح الخطيب وإن أردت أن تخسر جمهورا ما خاطبه بالمنطق والبرهان!
مع انتشار التقنية والانفتاح المعرفي والتواصلي باتت الجماهير أقرب إلى بعضها بعضا أكثر من ذي قبل وكاد العالم أن يصبح جمهورا كبيرا واحدا ذابت فيه وضاعت الكثير من التفاصيل، وأخذ التنوع بالضمور بالرغم من ضرورته كركيزة للتطور بما يحدثه من تضارب في الآراء والتوجهات، وبات التعبير متاحا للجميع فالرأي للجماهير والقوة كذلك! ولكن هل الجماهير حرة فعلا؟ وكيف يتم تحريكها؟
الجماهير قوة عظيمة ولكن توجيهها سهل جدا وهذا ما يجعلنا نعيد النظر في كونها حرة!
كما ذكرت فالجمهور له صفات واحدة أينما كان ومهما كان حجمه، فكلما جعلت أهداف الناس واحدة وملذاتهم واحدة ومقاييسهم للجمال واحدة، كلما كان تحريكهم أسهل! ولتوحيد كل هذا يسعى صاحب النفوذ والمال باستخدام المؤثرين في الجموع بغض النظر عن من يكونون - لاعبون أو ممثلون أو فاشينستات لا يهم - ويكرر الرسالة الموجهة للجمهور حتى تصبح وعيا ويقينا لهم يتبنونه.. فتجد للجمال مقياسا واحدا وللفوز معنى واحدا وربح الآيفون هو الطعم الذي يمكنك من خلاله اصطياد انتباه من شئت! تريد أن تسوق لبضاعتك المادية أو المعنوية؟ عليك بمسابقة لربح الآيفون!
باختصار كل ما عليك فعله لتصنع أذواق الجماهير هو اللعب على وتر الشهوات والرغبات البشرية التي لا تموت! فمهما أصبح الإنسان متعلما متطورا يبقى بطبعه فضوليا تقوده العواطف ويتأثر بالجموع!
ومن التسويق المادي إلى المعنوي، نرى كم أن الجماهير هشة سرعان ما يتم إعادة توجيه حماسها واندفاعها، فترى الانحطاط يتحول لرأي آخر في كثير من الأحيان وتكمن المشكلة في أن المقاييس الفردية تختلف تماما عن المقاييس الجمعية أو الجماهيرية لذلك لا يهم من هم أفراد المجموعة!
وللجمهور تأثير مغناطيسي ساحر على الفرد.. فهو يقوم بتبني رأي الجمهور ولا يعارضه عادة وذلك نتيجة نزعة إنسانية تدفع المرء ليكون منسجما مع الآخرين لا أن يكون معزولا، لو كنت مدعوا لبيت أحدهم وكان الطعام سيئا وكل من هناك أشاد بالطعم الرائع فإنك ستمدح الطعام.. ولن تقاوم رغبتك في السكوت وسط مشاركة الجميع.. فكيف بتعليق يخالف رأي الجمهور؟!
DrNawras@