عندما تحدث بعض النواب المتحمسين عن تعديل المادة الثانية من الدستور كأول طلب لهم بعد فوزهم بالانتخابات، بدا الارتباك على أكثر من طرف، فقد بدا القلق على الكثير من عامة الناس، فيما بدا الإحراج واضحا على الإسلاميين الأكثر اعتدالا، فلا هم يجرؤون على الرفض، ولا هم متحمسون للقبول.. والسؤال هنا لماذا هذا القلق، مع أن الجميع يؤمن بأن دين الله حق، وأن شرعه هو واحة أمان لكل مسلم، وأن تطبيق شريعته يحمل الخير للمجتمع؟
في هذا المقال سأجمع المخاوف، وأدعو النواب الإسلاميين إلى أن يأخذوها بعين الاعتبار ويناقشوها ويطمئنوا الناس، فهو أدعى للحصول على التأييد والوصول للهدف.
أولا: ربما السبب هو الاعتقاد أن المادة الحالية في الدستور لم تمنع في يوم من الأيام الأخذ بأحكام الشريعة ما استطاع المشرع ذلك، وأنها ليست العائق أمام أي رغبة حقيقية في اسلمة القوانين، لذا بدأ الموضوع كمزايدة وصفقة انتخابية، خاصة انه سبق ان توافرت اغلبية لاقرار هذه المادة ورفض سمو الامير آنذاك التغيير. إذن مادام الطريق مغلقا أمام تعديلها فما الحكمة من شحن الجو العام في وقت مبكر جدا؟ هل الهدف إبراء الذمة من جهة ووضع الحجة على الآخرين ممن لن يصوتوا مع التغيير ومن ثم تصنيفهم على أنهم لم يرتضوا الحكم بما أنزل الله؟ مع أن رفض بعضهم قد لا يكون رفضا للشريعة، بل رفضا للتوقيت.
ثانيا: عكست تلك المطالبة طبيعة الناس الذين سيتولون زمام الأمور، وأولوياتهم، وطريقة معالجتهم، ففيما كان من الممكن أن يبدأوا بمعالجة الفساد وإنعاش الاقتصاد وتصحيح مسار الخدمات العامة، ويؤخروا المطالبة لما بعد هذا الإصلاح، استعجلوا بالطلب، فكرسوا صورة سلبية كانوا في غنى عنها. والسؤال هنا: هل مشكلة الكويت الحقيقية اليوم هي عدم إسلامية القوانين أم الفساد المستشري وسوء الادارة؟ وهل مجرد تغيير هذه المادة سيحل مشكلة الفساد؟ أوليس الأولى البدء بإصلاحات حقيقية قبل أن نطرح هذه المادة للتغيير علها تجد البيئة القادرة على حمل أعباء قوانين الشريعة وتنفيذها؟
ثالثا: إن القلق سببه أن تعديل المادة الثانية يرتبط بأذهان عامة الناس بإقامة الحدود وفرض الحجاب واستبدال النظام الديموقراطي بآخر شرعي في آخر المطاف، بمعنى أن هذه المطالبة تحيي في أذهان البعض ما يشاع من أن الإسلاميين يتخذون الديموقراطية سلما للوصول للحكم، ومن ثم الاستيلاء عليه بعد ذلك. ومكمن القلق لديهم أن تداول السلطة إن تم بعد تعديل المادة الثانية وإقامة حكم شرعي، فسيكون بين فئة ذات مواصفات دينية معينة، تفهم في الشريعة ومطالبها، ولها سمت ديني معين، مما يجعل الحكم محصورا بين مجموعة ولن يكون متاحا للجميع كما هو الآن. هذا القلق بالرغم من استناده الى مبالغات وتهويل، إلا أنه لابد من أخذه بعين الاعتبار.
رابعا: إن الناس قلقة من قدرة الأشخاص الحاليين على تطبيق الشريعة، فالنبي الكريم ربى الرجال قبل أن يقيم القوانين، إلا ان من نراهم حولنا للاسف غير قادرين على إقامة دولة دستور، فكيف بإقامة شرع الله. ان الدين إذا ارتبط بأشخاص غير أكفاء تحول إلى أداة خطرة للظلم والاستبداد والتاريخ شاهد، فهل سيتذرع الفساد غدا بغطاء الدين كما يتذرع اليوم بغطاء الديموقراطية؟
ختاما، حاولت في هذا المقال أن أجمع المخاوف التي يرددها الناس عند الحديث عن تغيير المادة الثانية من الدستور، مع التأكيد أن الناس لا يرفضون في الغالب فكرة أن يحكمهم شرع الله، فالناس تثق بدينها وأفضليته، لكن الخلاف في التوقيت والكيفية والأشخاص. إن دعم هيئة استكمال الشريعة يبدو مسارا أكثر منطقية للتغيير، فهي هيئة تهيئ الأجواء وتطرح البدائل وتتحدث عن تدرج بالتطبيق، وبالتالي فمسارها أضمن وأقرب للراغبين في تطبيق الشريعة، بعيدا عن الشحن السياسي العام.
[email protected]