لا تمر أي تجربة في حياة الشعوب إلا ويخرجون منها بدروس قد تزداد قيمتها بزيادة قسوة تلك التجارب وحدتها. ومن تجربتي الشخصية، اسطر بعض الدروس التي أتذكرها كما خرجنا بها من تجربة الغزو، لا شك ان أول تلك الدروس هو درس الوطن، فقد أدركنا جميعا ان الوطن هو النعمة التي تسبق كل نعمة، بل والذي لا تحلو النعم دونه، فما معنى المال دون وطن، او الأولاد دون وطن، انه نعمة النعم.
وعرفنا في الغزو، وعن تجربة، ان دول الخليج الأخرى هي عمقنا الاستراتيجي، وان علاقتنا بها ضرورية لاستمرار وجود بلدنا، ولقد كنت ممن سكن في الإمارات أثناء الغزو، وتعرفت في تلك الفترة على شعب الامارات الرائع المحب والذي يمتلك إيمانا فطريا وأخلاقا راقية، وتعرفت من أهل الامارات على امتنانهم لدور الكويت السابق في نهضة باقي دول الخليج، فأدركت ان الدنيا تتقلب بأهلها، وان ما تزرعه اليوم تحصده غدا.
وفي الغزو تأكدنا من قيمة العمل الخيري الذي كنا نقوم به في الكويت، وحجم المال الذي كنا ننفقه حكومة وشعبا على باقي دول العالم المحتاجة، واتضح ذلك من الضرر الذي لحق بتلك المشاريع عندما توقفت الكويت عن دعمها. كان لدينا شعور يقيني بان الله سيفرج عنا بهذا الخير وتلك الصدقات والمساعدات، وهذا ما كان.
كما أدركنا في الغزو قيمة مناصرة الآخرين لنا في أزمتنا، أدركنا معنى كل كلمة نسمعها تعبر عن دعم وقيمة كل موقف يعبر عن حب، وقيمة كل مساعدة وتحرك من كل دول العالم مهما كان ذلك بسيطا.
وفي المقابل أدركنا الألم حين لا يهتم الآخرون بمصابنا، او حتى يتنكرون لنا، ففي المحن يسجل الإنسان المواقف وتتكشف المعادن، وأقلقنا في الغزو ان سياسة بلادنا كانت تسير دون الحذر المطلوب، وان التفاؤل المبالغ فيه كان يغلب على القرار السياسي عندنا، وهو تفاؤل غير حكيم عندما يتعلق بمصير دولة، وكامرأة تأكدت ان السياسة شأننا جميعا، وانها ليست شأن نخبة، او شأن الرجل وحده فهل من المنطق والعقل ان نشارك كنساء في الحروب والأزمات، في حين يستأثر الرجل بالقرار السياسي في وقت السلم والرخاء؟
ولعل مما تعلمناه أهمية إتقان اللغة الأجنبية أذكر ان مصدر معلوماتنا الأول كان السي ان ان، ومن كان يتقن الانجليزية كان له السبق في كل حدث، ولعل هذا الدرس استوعبه الجميع، وبدأ الإقبال الملحوظ على المدارس الأجنبية بعد الغزو.
ختاما، لا شك ان الدروس أكثر وأوسع، لكن ما سبق هي مجموعة نقاط بقيت في ذهني من تلك الفترة، سائلة المولى سبحانه ألا يعيد علينا تلك الأيام، وان يجعل بلادنا دار أمن وأمان، انه على كل شيء قدير.
[email protected]