ما فائدة عقولنا إن خاطبنا شخص بما لا يعقل وصدقناه؟ وما فائدة هذا العقل أصلا إن لم يكن حكما يميز ويقارن ثم يصدر أحكامه؟ فإذا كانت العقول مفتاح كل شيء، فلماذا عقولنا جاثية كالأصنام لا تتحرك إلا بتوجيه وإرشاد عقل واحد لا يخطئ ولا يزل من وجهة نظر عقولنا؟ فهل عقولنا أصبحت محدودة التفكير تتجه فقط للبحث عن عقل ينوبها في التفكير والتحليل حتى نرجعها لبياتها الأزلي؟ للأسف هذا ما يراد لعقولنا.
فإذا كان القرآن الكريم لم يذكر العقل كاسم مجرد في آياته، وإنما ذكر أفعالا ودلالات كيعقلون ويتفكرون، لترشدنا لغاية أن العقل لا يخضع للعواطف وإنما أساسه التفكير، فلا يهم قولك إن لك عقلا في الرأس أو في القلب أو ليس لك عقل، وذلك لأن أفعالك ستدل عليه، فكل أمورنا وتصرفاتنا محكمها الاول والاخير هو العقل، ومن العقل ندرك أننا اليوم أصبحنا بلا عقل سياسي ولا إداري، فالأزمات السياسة والاحتقان النيابي تجلت في أعتى صورها، ومرجع ذلك أن سياسة الحكومة تسير في دنيا التخبط الإداري فهي لا تعي تصريحاتها ولا تراجع تصرفاتها فانزلقت في التخبط وتصفية الحسابات وتغليب خواص الأجندات، ليتحول البلد إلى حلبة صراع حكومي نيابي من جهة، ومن جهة أخرى حكومي حكومي في كثير من المشاهد المقلقة المؤلمة.
فكل أسرة في العالم لديها خلافات ومشاحنات بين أفرادها، وهذه طبيعة إنسانية، ولكن ما إن تنتقل الخلافات والمنازعات إلى الشارع لتعطل المسار بسبب صراع الجبابرة فلها نقول «قفوا فالكويت أعلى منكم وأولى فاحترموها»، فلو رجعنا للاستجوابات والعراك السياسي لوجد العاقل والمتفكر أننا نعيش حقا في دوامة الصراع الأسري، الذي أخر البلد وسحبها من دائرة الاستقرار إلى دائرة تصفية الحسابات فكل فرد حشد نوابه ليجعلهم وقود نار بعد أن أخرجهم الشارع فارتموا في أحضان المتصارعين كأدوات تغطي هويتهم، وقد وضحت الصورة وضوحا تاما في الآونة الأخيرة، فأين هو دورنا كناخبين وأين هي عقولنا تجاه المؤججين؟
فهل نحن طرف في هذا الصراع حتى نغلب جهة على جهة؟ والله لا، فالأسرة التي نطالب كبارها بحل خلافاتها، كشأن داخلي، وجب علينا وعلى النواب احترام خصوصية المسألة، وعدم الاصطياد في المواقيت العكرة، فإن كانت لنا عقول تسير بالمنطق لا بالعواطف، فالواجب إلجام بعض النواب والسؤال العقلي: ما الغاية من كل هذه الحركات والتصريحات؟ ولماذا الآن وفي هذا التوقيت؟ ولماذا صمتهم طوال الوقت ونطقهم الآن؟ هل جاء أمر جديد أم الآن كشفوا المسألة؟ إن القاعدة واحدة لا تتغير والحق لا يخضع للعبة السياسية والمساومات، وللحقيقة: ابحثوا عن كل مسألة ومشكلة فإن وراءها أجندة ومنفعة والله على ما أقول شهيد.
***
٭ نص سالفة: قضية الطالب المصري التي أصبحت وزارة التربية تحرض الناس لرفع قضايا عليه سابقة تربوية خطيرة، تبين بوضوح أن الوزارة لا تحمل في جوفها أي عقلية تربوية ولا رؤية مستقبلية، فبدلا من أن تمسك هذا الطفل وتعلمه وتوعيه لخطئه بأسلوب تربوي ـ إن صدقت حيثيات الحادثة ـ أصبحت تمارس «بلطجة القوانين التربوية»، فما موقفها إذا جاء طالب وأثار قضية طائفية هل ستفصله وتحرمه أم ستعلمه وتوعيه؟ إذن فألغوا كلمة تربية بعد هذه الحادثة واجعلوها وزارة للتعليم فقط، لأنكم لا تحملون فلسفة تربوية ولا عقلية توعوية، لنقول صدقا لترحل عقولنا فلا فوائد لوجودها ودمتم.