لطالما كانت عبارة «العيش والملح» وصونه شديدة الالتصاق بالواقع المصري وتراثه المكتوب وثقافته المحكية من أمثال ومأثورات، وأداة بارزة لانتقاد التحولات الاجتماعية في المجتمع أو الثناء على أصالته وعراقته، فهذه العبارة يستخدمها المصريون كثيرا إما حالفين أو مستشهدين، على قوة العلاقات، فنقول بيني وبين فلان «عيش وملح»، أو على سبيل المدح فنقول فلان صان «العيش والملح»، كما تستخدم أيضا في مواطن الذم للتعبير عن نكران شخص أو جحوده فنصفه بعبارة «خائن العيش والملح».
للخبز قداسة ملحوظة في الديانات السماوية أو الوضعية، وإلا فما الذي يدفع أي شخص مهما كانت ديانته إلى أن يقبل كسرة خبز ملقاة على الأرض ويرفعها إلى جبينه في إشارة واضحة على التبجيل.
«العيش والملح» معادلة مصرية صميمة تتكون من ركنين أساسيين لابد من توافرهما لتنجح العلاقات، فلا الخبز بمفرده ينفع ولا الملح بمفرده ينفع.
حالة النكران والجحود التي نعيشها اليوم وتعيشها معنا المجتمعات العربية من أقصاها إلى أدناها سواء على مستوى الأسرة الواحدة أو في العلاقات المباشرة أو غير المباشرة مع الآخر المتوافق أو المخالف، تعكس خللا واضحا بالقياس على المعادلة المصرية الصميمة.
طلبت رأيه في الفقرات السابقة من هذا المقال، قرأ بتمعن، لم يتردد كثيرا وعاجلني بسؤال، هل يجدي العيش والملح نفعا مع شخص بلا أخلاق؟ توقفت أمام سؤال صديقي «ابو فارس» الأستاذ أيمن إسماعيل، فكانت إجابته على سؤاله الذي طرحه علي أسرع من إجابتي، قال يا صديقي نعيش أزمة أخلاق طاحنة وصارخة، حالة الفساد الأخلاقي التي نعيشها ترسم ملامحها أعداد نزلاء دور المسنين، أعداد المساجين في سجوننا وجرائمهم الغريبة والشاذة، حجم الفتور في علاقات من المفترض أن تكون حميمة، كم العقوق وقسوة النكران في مختلف العلاقات الأسرية وغير الأسرية، كم الألفاظ النابية في مصطلحاتنا اليومية، تقلص دائرة الأصدقاء من حولنا وسيادة قانون المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة، غياب الحوار داخل الأسرة الواحدة والصمت الرهيب الذي يضرب في أرجائها، لماذا تخلى أصحاب المهن عن ضمائرهم المهنية والأخلاقية ففسد التعليم وغاب دور المدرسة، فسد المعلم ففسد الطبيب والمهندس والمحامي والصحافي وصاحب كل حرفة إلا من رحم ربي.. وأضاف: يكفيك أم تريد المزيد؟!
معادلة العيش والملح لن تجدي نفعا في غياب الأخلاق كمنظومة قيمية تنبت فيها كل صفة حميدة أو خلق أو سلوك طيب، فهي بيئة جاذبة للخير طاردة للشر، ولكن كيف نعيد لمنظومتنا الأخلاقية رونقها ونحيي قيمها الرشيدة وصفاتها الحميدة؟ المجتمعات تبنى بالتغيير الإيجابي على مستوى الأفراد، الأفراد يغيرون الأسر والأسر تغير النمط السائد في المجتمعات، فلنتعب على أبنائنا فالأخلاق لن تبنيها الحكومات أو تؤصلها وتحرص عليها المؤسسات، استثمر في أولادك...والله لن نحصد إلا ما زرعت أيادينا.
خلاصة الكلام: في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق، وحسن الخلق يستر الكثير من مساوئنا، وسوء الخلق يغطي الكثير من حسناتنا والعشرة السيئة تفسد الأخلاق الحسنة.
[email protected]