ان التاريخ المشترك ذخيرة أمجاد وذكريات تجسد زمان الكل تجسيدا متلاحم الأنات.
فلندرس إذن التاريخ العربي من جميع نواحيه، سواء في ذلك ما كان منه مضيئا مشرقا يشرف أصحابه، أو ما كان مظلما يستثير الأسى والألم، لأن كليهما حدث، وهذا ما تستوجبه نهضتنا التحريرية الحديثة.
أول ما ترى من التاريخ حوادث الحروب وكيف كانت غاية تعليمية.
على أن التفكير التربوي في التاريخ وماله من أحداث وعبر شهد اهتماما بالغا وزاد الاهتمام به وأخذه طريقه الى المدارس فأصبح مادة للتعليم.
التاريخ عندما يعلم تعليما حسنا يكون مدرسة أخلاقية لجميع الناس.
ورأى العرب في التاريخ معلما ولم يغفل مؤرخو العرب عن أهمية التاريخ في التوجيه الصحيح، وما له من أثر في الفرد والمجتمع، وهذا يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في سياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يروقه في أحوال الدين والدنيا.
وقال الإمام الشافعي إن التاريخ ينضج العقل.
والتربية بالتاريخ تعتبر مادة تشحذ ذاكرة الفرد، ويعطيه عبرة من الماضي فيستفيد من المفاخر والأمجاد، ويستخرج العبر والعظات من الأخذ والزلات، أما من حيث هو أسلوب، فهو كفيل بأن ينهى في الإنسان صفات خلقية رفيعة، كالتجرد، والبعد عن الهوى، وعدم التعصب لفكرة ما، والأمانة في النقل والصبر والتواضع والدقة والتحرز في إطلاق الأحكام كل ذلك ينميه التاريخ بنسب مختلفة.
وبعد أن رأينا أثر التاريخ في الفرد يجدر بنا أن نتساءل عن أثره في حياة المجتمع.
إن المجتمع مكون من أفراد، فصلاح الأفراد هو صلاح المجتمع، وكل توجيه للفرد إنما هو توجيه صحيح للحياة العامة.
فإذا استطعنا أن نجعل من التاريخ مهذبا لاتجاهات الفرد، ووازعا، وصاقلا ممارسته وطباعه، فإننا بذلك نكون قد أخذنا من التاريخ ما يفيد في الحياة العامة وفي المجتمع.
ولا تنسى عزيزي القارئ أن التاريخ يحدد معنى الأمة التي اتحد أفرادها في الآلام والأمل.
ولعل هذا التوضيح يرشدنا الى أثر التاريخ في المجتمع وفي حياته العامة وتحديد إطارها وإبراز شخصيتها.
ومن هنا نرى ما للتاريخ من أثر في حياتنا الوطنية.
التاريخ يجمع الأمة كيانا واحدا متطاولا في الماضي وثابتا في الحاضر نحو المستقبل فيدفعهم نحو هدف واحد جيلا إثر جيل، أو جيلا يؤثر في جيل فتقوم التربية حينذاك بتحقيق ذاتها عبر الزمان فتتبلور وتتجوهر عن كل ذلك قيمة الإنسان.
إن التاريخ تربية وعلم ورسالة وهو سيف ذو حدين قد يغدو شرا على الأمة اذا لم يحسن استعماله.