لا شك أن التآلف والمودة هما الزاوية التي يتشكل منها النجاح الشخصي في العلاقات الاجتماعية، إذ ان هناك مقولة متداولة لدى العلماء النفسيين وهي مقترنة بما يسمى بالبرمجة العصبية والحسية، قائمة على قاعدة ارتباط شرطي (بالألفة كل شيء ممكن ودونها يضحى كل شيء غير ممكن).
فإن الألفة الإنسانية والتعايش السلمي هما دعامة الوجود الإنساني عبر الأزمة وبناء الحضارات والعامل للتطور والتقدم والضمان للتعاون المثمر وتبادل الخبرة والمنفعة.
إن التوافق الذي ينتج عنه اتحاد الفكر هو السبيل للديمومة الإنسانية، وانه على الرغم من اختلاف وجهات النظر إلا ان الاختلاف لا يضرب الاتفاق بل على العكس يثمره ويزيده فكرا وتنوعا، ان دعامة النقاش هي اختلاف وجهات النظر، وتبين أن الوصول إلى النقد البناء هو ثمرة هذا النقاش.
وديننا الإسلام هو السلام الذي يدعو الإنسان إلى التعايش من خلال الامتناع عن كل أشكال الإيذاء بالقول أو الفعل وحتى الفكرة أو النظرة التي تدعو للتعالي والكبر والتمييز العنصري وتضمر الكراهية والعداوة للآخر.
فيعمل شياطين الإنس والجن ببث العداوة والبغضاء ومحاولة إبطاء الآخرين او إلحاق الأذى المادي بهم كي لا يتفوق أو يسبق أو يصل لمرتبتهم، وهذا ان دل فإنما يدل على الغيرة التي يبثها الشيطان في صدر ضعيف الإيمان، والحسد من علامات الشر التي تفصح عن عدم الاهتمام بعلاقته الروحية وعلاقاته الإنسانية.
تحقيق الألفة يضمن السلام الداخلي ويجلب محبة الإنسان لأخيه الإنسان بل إن التعايش السلمي يمتد لكل المخلوقات على الأرض وحتى الجماد، ومثال إماطة الأذى عن الطريق من أبسط واقرب صور التعايش، ورغم بساطة الفعل لكن فيه تجنيب الآخرين الوقوع في الأذى.
ويمتد مفهوم الألفة ليصب ذروته في تعايش الإنسان مع ذاته فيدخل الحب والسلام والوئام مع ذاته ويحميها من الانفعالات المدمرة وتفكيره من الأفكار السلبية وأفعاله من الأداء الضار به وبالآخرين.
لذا، يجب على الإنسان أن يحرص في تعامله مع الآخرين على ضبط نفسه وكفها عن الإثم، والحرص على بناء السلام الداخلي وذلك عبر توطيد علاقته بربه وبالآخرين من حوله، وان يستذكر دائما اسس النقاش المهني والنقد البناء، وألا ينساق خلف شرور الشيطان في إفشال النقاش وتحويله الى خصومة شخصية ونقد هادم، فإن الإنسان الضعيف هو الذي لا يقوى على النقاش البناء ودائما يضعف أمام المواقف الحاسمة.