ما أشبه رمضان 2018 برمضان 1989، فبعد ما يقارب ثلاثة عقود، يتكرر المشهد نفسه، تغيرت فيه شخوص، وغابت وجوه، بيد أن الحقيقة الراسخة، بقيت شاهدة أن الكويت ممتدة الجذور في أعماق الإنسانية والانتماء العربي الأصيل، والفزعة للشقيق، والتعالي على عثرات الماضي، وجراح الأمس.
في رمضان، وقبل غزو العراق للكويت بعام تقريبا، كانت المدن الأردنية تئن من مظاهرات واحتجاجات شعبية، رفضا لارتفاع الأسعار، وإجراءات حكومية أخرى تمس جيب المواطن الأردني.. وقتها كانت المملكة الأردنية تحت مقصلة تقلبات اقتصادية عالمية ألقت بظلالها على الوضع المحلي، وأثقلت القرار الرسمي بمسارات غير شعبية، لعلها تنقذ الموازنة من عجوزات كبيرة، وقروض خارجية لا مفر منها.
وقتذاك، صعد سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله - طيب الله ثراه - طائرته عصرا، قبلته إلى العاصمة عمان، ليستقبله العاهل الراحل الملك حسين، استقبالا خاصا، يليق بمقام من حضر، أبرزته الصحافة الأردنية بكثير من الإجلال والتقدير، في ذلك الحين أعلن أن الكويت قدمت مساعدات، تعين البلد الشقيق على تجاوز محنته، وهو موقف وصفته أوساط أردنية رسمية وشعبية بأنه «لافت خليجيا وعربيا، يؤكد أن الديبلوماسية الكويتية، مع شقيقاتها العربيات من دون منّ أو أذى، وبلا مطالب وشروط مسبقة».
تمر السنون، وتدور عجلة التاريخ، ليواجه الأردن في 2018 مصير الأمس.. سياسيا، ضغوط على بوصلة القضية الفلسطينية، تطعن مكانة النظام الأردني كحافظ للمقدسات في القدس، وترمي كيان دولته في الصميم، بتهديدات إسرائيلية يمكن أن تحوله بلدا جديدا للفلسطينيين، عقب طردهم من أراضيهم.
هذه، تولّد أخرى، فمن يبتغي هذا السيناريو، ليس أمامه إلا كف المساعدة عن الأردن، وتجفيف موارد كانت تمتد إليه، لتبلغ الأوضاع أوجها، احتجاجات شعبية ترفض إجراءات الحكومة في معالجة الضائقة المالية، من خلال الضريبة على المواطن، زادها اشتعالا، اتهامات متبادلة حول أخطاء داخلية، في إدارة الشأن المالي العام.
الأردن في مأزق، غير أن الكويت على العهد دائما، فهذه ديبلوماسية صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، وها هو مبعوث سموه الوزير أنس الصالح، ينقل إلى الملك عبدالله الثاني، الموقف الكويتي الذي سمعه ورآه رأي العين والده، قبل 29 سنة، «الكويت مع الأردن، وعون له في تجاوز عوائقه».
مشهد كويتي ثابت لا يتبدل، ولا يتلون بألوان الأحداث والمصالح، هو ذاته ما كان من الديبلوماسية الكويتية تجاه قضية القدس في مجلس الأمن، ونفسه في مؤتمرات المنح لإنقاذ السوريين، ومثله وساطة المصالحة في الأزمة الخليجية، وعلى نحوها الدعوات إلى وأد خلافات المنطقة، بعيدا عن الحروب ولغة العسكر.. إنها الكويت، كما قال عنها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس: «هذا البلد شريكنا الحقيقي في السلام والإنسانية».