كثير من الناس يحبون أفلام «الأكشن»، وعادة ما يحاولون وصفها بطريقتهم الخاصة بل يصل بهم الأمر إلى أن يتخيلوها حقيقية ويقدموا حولها بلاغات إلى بدالة الداخلية، كأن يقوم مثلا أحدهم وجراء تعرضه لعارض عقلي معين (مرض نفسي أو عقلي) بالإبلاغ عن حدوث جريمة قتل لم تحدث إلا في خياله، وهنا يكون قد ارتكب فعلا يفترض أنه يجرمه عليه القانون وهو إزعاج السلطات والتقدم ببلاغ كاذب ولكن لا يسأل جنائيا غير الإنسان العاقل فالإرادة هي قوام الركن المعنوي والإرادة لا تكون إلا للإنسان العاقل فإذا انتفى أحد هذين الشرطين أو كلاهما تجردت الإرادة من القيمة وتوافر بذلك مانع من المسؤولية، وعلى أي حال ما دعاني لسرد ذلك ما قرأته في صحيفة «الأنباء» بعددها رقم 12315 بتاريخ 2/7/2010 أن رجال مباحث الأحمدي في بداية الأسبوع الماضي ورد إليهم من عمليات الداخلية ما يفيد قيام سيارة أميركية سوداء بمطاردة شاحنة على طريق الدائري السابع وإطلاق النار على سائقها وروى المبلغ لعمليات الداخلية هذا المشهد كأنه شاهد فيلم «أكشن» أجنبيا وقدم بيانات وأرقام لوحة السيارة الأميركية، الأمر الذي جعل رجال مباحث الأحمدي يقومون بجمع تحرياتهم حول الواقعة لضبط صاحب السيارة الأميركية، وقد توصلوا إلى صاحب السيارة السوداء المدلي بأرقامها وبسؤاله عن حقيقة تواجده بالدائري السابع في الفترة التي وصل إليها بلاغ العمليات عن مطاردته للشاحنة نفى صاحب السيارة أنه كان في ذلك المكان وقتها ونفى ان يكون قد أطلق نارا فضلا عن عدم امتلاكه لسلاح ناري، وهو ما تأكدت منه تحريات المباحث باستدعاء صاحب الشاحنة والتي قدم رقم لوحاتها المبلغ في بلاغه ونفى صاحب الشاحنة وسائقها تعرضهما لإطلاق نار في ذلك الوقت أو أن احدا طاردهما من قبل، وإزاء نفي صاحبي السيارة السوداء والشاحنة قام رجال المباحث باستدعاء المبلغ وذلك من واقع بياناته ورقم هاتفه الذي ظهر لدى رجال غرفة العمليات الذين تلقوا البلاغ منه وباستدعاء المبلغ تبين أنه مواطن ثلاثيني وأنه يعاني من عارض نفسي ويتحدث بطريقة غير مفهومة وغير طبيعية وانه سبق من قبل ان ابلغ عن واقعتين لحادثتي اغتيال ـ تلك هي الواقعة التي استدعت انتباهي وأردت أن أثيرها بمنظور قانوني ـ فالمتعارف عليه أن المرض العقلي هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سببا لانعدام المسؤولية كما أن المرض العقلي يترتب عليه فقد القدرة على توجيه الإرادة، والمبلغ في حالتنا الماثلة سبق أن أقدم على الإبلاغ عن حادثتي اغتيال من قبل وتبين عدم صدق بلاغه وروايته عنهما، الأمر الذي يؤكد ان المبلغ ينتابه عارض نفسي بعدم إدراكه وإدراكه وقت البلاغ وكأنه نسج الجريمة من خياله وابلغ عنها ولا شك في أن ما بدر منه يعد قانونا مكونا لجريمة البلاغ الكاذب المؤثمة بالمادة 145 من قانون الجزاء إلا أن تلك المادة تصطدم بالمادة 22 من قانون الجزاء في فقرتها الأولى التي تصف المرض العقلي بأنه حالة عقلية غير طبيعية وتنعدم به المسؤولية الجزائية قانونا، وعلى ذلك فقبل الخوض في محاكمة ذلك الشخص بتهمة البلاغ الكاذب يجب عرضه على مستشفى الطب النفسي لبيان مدى قدرته العقلية وعما إذا كان وقت تقديمه للبلاغ كان مستجمعا لقواه العقلية أم مصابا بمرض عقلي يجعله يتخيل أشياء غير موجودة من الأصل وينسج على أساسها «فيلما» يخرجه من وحيه الفكري ويقوم بالإبلاغ عنه ففي هذه الحالة تكون حالته سببا تنعدم به مسؤوليته الجنائية وذلك عملا بما جاء بقانون الجزاء إلا أن هذا لا يمنع من ان نتوجه بالشكر لرجال المباحث لجهدهم في التحقيق بالجريمة واستدعاء أطرافها لبيان الحقيقة حتى ولو كانت الجريمة المبلغ عنها من وحي مبلغها ومن تأليفه وإخراجه.