في الوقت الذي تحاصر العالم كوارث طبيعية، ومد وبائي كمي ونوعي، وثورات باحثة عن الانعتاق من أنظمة استبدادية تختفي عن الأعين المجردة آفة خطيرة، ان لم تكن أشد بأسا من حجم الكوارث والأوبئة والثورات، ألا وهي المخدرات والتي يجدر أن يرفع أمامها شعار «الشعب يريد مكافحة المخدرات» على منوال الثورات العربية.
لكن الإشكال المطروح أن تلك الأنظمة لها هياكل تحكمها وبالضغط يمكن أن تنهار، لكن بالمقابل نجد ان المخدرات شبح يخيم في تفكير المنهزمين والمستسلمين، ويعشش في دماء البائسين والمدمنين، ولا سبيل للقضاء عليها سوى بوقفة جادة مع الذات يسأل المرء خلالها نفسه هل يمكن أن يستمر عبدا لها وهو المخلوق المكرم؟ وتمتد وسائل المكافحة كذلك إلى أنظمة الدولة بتسخيرها الوسائل المادية والمعنوية من تجهيز دور اجتماعية لإعادة إدماج المتعاطين والمدمنين على اعتبارهم ضحايا متدرجين لمنتوج غير قانوني وتشجيع فتح أقسام معالجة الإدمان داخل المستشفيات الحكومية ووضع التسهيلات للمستشفيات الخاصة المتخصصة في معالجة الإدمان على المخدرات بكل أنواعها بالإضافة إلى وضع الإعلانات والملصقات الإرشادية التوعوية للوقاية من هذه الآفة.
ولعل الرادع الأبرز هو الضرب بيد من حديد على من يتاجر في تلك المخدرات وتنفيذ أقصى العقوبات عليه، ولكن هنا يجب التصحيح التشريعي لنص المادة (31) من القانون رقم 74 لسنة 1983 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها حيث ان هذه المادة لم تفرق بين التاجر الحقيقي الذي يستورد أو يجلب أو ينتج أو يستخرج أو يصنع أو يزرع مواد ومستحضرات أو نباتات مخدرة وبين من يتبادل مع غيره تلك المواد بقصد استمرار التعاطي لأن المتعاطين لا يستطيعون العيش والاستمرار في التعاطي لوحدهم لأنه لابد أن يكون لديه أصدقاء واتصالات مع الغير من المتعاطين أو التجار ينقذونه في حاله نفاذ الكمية المتواجدة عنده وهو يبادلهم نفس التصرف لتكون هناك شبكة تبادل عمليات تعاطي وتجارة المخدرات فيما بينهم بقصد ضمان استمرارهم في التعاطي.. وان عدم فهم هذا الواقع المرير تشريعيا ومعالجته يجعل المحاكم تستمر في إصدار الأحكام المغلظة على هؤلاء المتعاطين بالحبس المؤبد غالبا على اعتبار أنهم متهمون بالاتجار في المخدرات وفقا لنص المادة 31 مخدرات وعليه يجب تصحيح هذا الفهم الخاطئ وعلى وجه السرعة وقصر التشديد على التاجر الذي يضارب بهذه المواد بقصد الكسب السريع والحرام حتى يكون عبرة لمن لا يرتدع ولقد كان القانون الكويتي واضحا في ذلك حيث منع المواد التي تسبب الإدمان وتسمم الجهاز العصبي المركزي وحظر تداولها أو زراعتها أو تصنيعها إلا لأغراض يحددها القانون ولا تستخدم إلا بواسطة من يرخص له بذلك كغيره من قوانين العالم باستثناء خطأ الخلط ما بين التاجر (والمتبادل المخدرات) لاستمرار التعاطي وغير الموجود في القانون الكويتي.
وكل ذلك راجع إلى الآثار السلبية والضارة لتعاطي وإدمان المخدرات من تفكك أسري واجتماعي وانعكاساته على الأسرة والأبناء وصحي متمثل في تهيج للجهاز العصبي وارتفاع ضغط الدم وعدم انتظام دقات القلب والشرود الذهني والتسمم الحاد والأوهام والهلوسة والهياج والعنف ونحن نعيش في عالم يحتاج إلى الكثير من التركيز لكسب تحدياته.
ان احتفال العالم ودولتنا الكويت باليوم العالمي لمكافحة المخدرات بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة يعكس قيمة معنوية كما أن نجاح مشروع «غراس» هو بداية خطوة وليس نهاية مسار، أما الاحصائيات المسجلة غالبا ما تكون دقيقة نظرا للتحفظ الشديد للمدمن وكذلك أفراد أسرته وتفضيلهم علاجه بالخارج تفاديا للفضائح أو السجن أو لسمعة العائلة ولتقاليد المجتمع التي لا ترحم.
ان المتعاطي للمخدرات يبدأ خطواته بالحشيش والقنب الهندي والماريغوانا لينتهي بالهيروين والكوكايين أو بحبوب الهلوسة والمبيدات المتطايرة، والمسافة هنا تقاس بظلم النفس والأسرة والمجتمع ولتكرس هذه الآفة أن عالم المخدرات فضاء واسع الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود.
حفظ الله الكويت وأهلها من تلك الآفة ومن كل مكروه
والله ولي التوفيق،،،
www.riyad-center.com