أصدق الأحاديث هي أحاديث المرايا! بمعنى آخر، حديث صادق حميم بينك وبينك! تلتقي فيه العيون لتبوح بالكثير الكثير مما نجهله أو نتجاهله! نغفل عنه أو نتغافل عنه، نتقبله ونتوق إليه من ضجيج العالم أم نهرب منه إليه، وشتان ما بين الطريقين! إنه ذلك الصوت الذي، عكس كل الأصوات، يزداد ضجيجه أكثر كلما صممت أذنك! يباغتك مهما ادعيت السيطرة، صوت قد تصمته بعض الوقت ولكن لن تستطيع أبدا أبدا اسكاته كل الوقت!
يتخذ هذا الصوت أشكالا عدة، صوتا محفزا وداعما تارة، مؤنبا ومنزعجا تارة، هامسا تارة وصارخا تارة أخرى! صديقا أحيانا وعدوا أحيانا أخرى، يلبس ثوب الحكيم الناصح، المعلم المؤدب، أو يتخذ شكل حديث النفس الأمارة بالسوء! كل هذا في أحاديث وأدوار مختلفة تبرز أمام المرايا!
في كثير من الأحيان، نجلس أمام المرايا نتأمل كل شئ وأي شئ إلا مرآة الروح: العيون! لو نظرت وتمعنت في عيونك، لأدركت كم تشتاقك! لأدركت كم باعدت الأقنعة، بينك وبينك وكم تغيرت الملامح فما عادت كما عهدتها! لا يقتصر الأمر على زيادة جمال من نقصه ولا عمر مضى ورسم ملامحه على وجهك، ولا سنين مرت تاركة آثارها على روحك، بل يتجاوز الأمر ذلك: لقد تهت أنت عند روحك وكنهك.
تغيرت الابتسامة، وتغير بريق العيون، وغابت شعلة وتغير شكل الحماس فما عدت تفطنه! عندما تنظر في مرآة روحك ولا تجدك، فلا تخف، إنها مكالمة اليقظة التي تنبهك أنك حدت عن طريقك وأنك ابتعدت عنك، وأن الوقت قد حان لنزع الأقنعة والاستماع لذلك الصوت المكبوت منذ زمن، وأخذ القرار!
قد يكون القرار مؤلما، وقد تكون الطريق صعبة، لكن رحلة البحث عن ذاتك وروحك أجدى وأثرى.
فلا تخف، أنا معك في هذه الرحلة، ببساطة: لقد اشتقت لي... كثيرا واتخذت قرار العودة.
rulasammur@
[email protected]