أصعب قرار يمكن أن يتخذه الإنسان هو إنهاء حياته، وهو الشيء الذي لا يملكه، لأن الروح ليست ملكه، فهي أمانة عنده، أودعها الله تعالى إياه، ولن أتحدث عن الانتحار وحكمه الشرعي، فذاك معروف للجميع، ولكن يجب علينا أن نقف على الأسباب التي أدت إلى هذه الفعلة النكراء، فعندما يقدم نحو 10 أشخاص خلال الأعوام الأخيرة على إنهاء حياتهم فعليا، لابد أنهم وصلوا إلى مرحلة من اليأس جعلت الواحد منهم يفقد عقله ويذهب إلى هذا الخيار البشع.
إنه -مع عدم موافقة الشرع على هذا الخيار- لهو أمر مشين عندما تغلق كل أبواب الرزق الكريم أمام الناس، ناهيك عن هموم الأولاد وصعوبة المعيشة وضنكها، بالإضافة إلى التضييق القانوني الذي يمارسه الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع البدون، من خلال إيقاف تجديد البطاقات الأمنية التي هي الرئة التي يمكن أن يكون فيها نوع من التنفس لهؤلاء الناس، وإلصاق أنساب ليست لهم، وهذه بحد ذاتها جريمة بحق الوطن.
إن هناك من أقدم على إنهاء حياته - مع عدم موافقتي على الأمر بالطبع- ولكن هناك أناسا في بيوتهم من «البدون» يتمنون الموت ألف مرة يوميا من شدة الحال والشعور النفسي الرهيب بعدم القدرة على القيام بأعباء الحياة! إن حل هذه القضية ليست على عاتق الحكومة فقط، بل هناك الكثير من الجهات تتحمل ذنب هؤلاء الناس، فنواب مجلس الأمة لم يضعوا حل قضية «البدون» أصلا من الأولويات، لما لها من تداعيات أخلاقية وأمنية واجتماعية.
إن من يقدم على الانتحار قد وجد الباب مغلقا من كل الجوانب، ولا شك فالله تعالى محاسبنا نحن كشعب عن هؤلاء الناس يوم القيامة، ويجب على الجمعيات الخيرية وبيت الزكاة والجمعيات التعاونية أن تنقذ هؤلاء الناس، فالمعروف ليس إنقاذ وإغاثة من هم في الخارج فقط، وإنما الأولى من هم في الداخل وتخفيف الإجراءات لمساعدتهم، ونحن الآن على أعتاب شهر رمضان المبارك، فلا يجوز أن نترك هؤلاء الناس جائعين بين ظهرانينا ونحن «المركز الإنساني العالمي»..
وأخيرا، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به».
اتقوا الله، فـ «البدون» منهم من يستحق التجنيس كالعسكريين والشهداء والأسرى وحملة الشهادات والخبرات، وكل من ترى الدولة أنه لا يستحق التجنيس فهو يستحق الحياة الكريمة، فالناس شركاء في الماء والهواء والكلأ.
نكشة: اتقوا دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب.
[email protected]