صالح النغيمش
ما يلفت الانتباه هذه الأيام كثرة المطالبين بوزراء تكنوقراط غير آبهين لحنكة وقوة وفكر ذلك التكنوقراط (صاحب تخصص وخلاص)، المعضلة ليست هكذا أو كما يتصورها البعض، المسألة مسألة رجال ساسة وأصحاب قرار تنتشل الدولة من هذا الصراع الدائر الذي ألم بكل مؤسسات الدولة دون استثناء، مع انني حقيقة أختلف كثيرا مع من يطالبون بأن يكونوا الوزراء «تكنوقراطيين» ولأن الانعكاسات السلبية تدخلنا في هذا الجانب الى صراع نفوس ومن ثم ندخل مرة أخرى في دائرة «من سيغلب من»؟ وتكون بذلك الوزارة ساحة لتصفية الحسابات وعليها لابد ان نتأثر شئنا أم أبينا ولذلك لن يكون هناك مجال للابداع وسننجرف على ضوء تلك الظروف التي متى ما تداولت وأخذ النقاش فيها داخل قاعة عبدالله السالم ومن ثم تلتقطها أقلام الصحافة وتكبر ككرة ثلج وبعدها «تعال فچچ».
المطلوب اليوم من سمو رئيس مجلس الوزراء التروي والتفكير مليا في اختيار وزراء حكومته للاستعداد لبناء دولة حديثة ولا صعوبة في ذلك متى ما قررنا في قرارة أنفسنا بأننا (نعم نستطيع)، كل ما نريده هو ان نتفق أولا على مشروع دولة بعد ان نخر السوس في جميع أركانها وباتت متهشمة تحتاج الى البناء الكامل من جديد وليس للترميم وهذا ممكن حدوثه متى ما أردنا ان نشارك في السباق المحموم مع «السعودية ـ الإمارات ـ قطر» بعد ان تقدموا علينا، وتقدمهم هذا ليس لأنهم مبدعون فقط بل لأنهم ايضا صادقون، نعم صادقون وهذا سر تفوقهم علينا والصدق مع الذات ينمي الصدق مع الآخرين وهذا أحوج لنا حتى نتخلص من داء الغرور والتعالي والوهم، الصادقون مع أنفسهم لا يبحثون عن الأعذار ولا يكلون ولا يملون بل انهم قرروا ان يواكبوا التطور العالمي فوضعوا دولهم بين أعينهم وساروا بخطى ثابتة، اما نحن فندور في حلقة مفرغة وسياسة «جاك الذيب وجاك ولده» فالحكومة تستخف أحيانا بعقول الناس وتطالبهم بشد الأحزمة بطريقة أو بأخرى والنواب يبحثون عن مكامن خلل لكي يمروا من خلاله بالدور البطولي وهذه ثقافة بدأت بالانتشار لدى بعض النواب.
التشخيص الحقيقي لحالة الدولة انها مريضة وتحتاج الى دواء والدواء هو الإرادة الحقيقية، لذلك سنتجاوز أنفسنا رافضين أنصاف الحلول ومتجاوزين لذاتنا ومقدمين الرمز على الذات والرمز هنا هو الدولة التي متى ما صلح ناسها صلحت، فلو نظرنا حولنا لرأينا ان الدول التي كانت تحلم بأن تصبح مثلنا تجاوزتنا بعقود من الزمن ويا لها من حسرة نتجاوزها أحيانا وأحيانا.
فالمطلوب من كل أطياف المجتمع في هذه الأيام أن يتحرروا من كل شيء يقف حجر عثرة في طريق التنمية وأول قرار يتخذونه هو الاستعداد لحياة جديدة والأهم من هذا كله ان يتحرر القبلي من قبيلته ولو لفترة وجيزة، والحزبي من حزبه، والفئوي من فئته، وحتى الطبقي ايضا من طبقيته، وأقصد هنا (الارستقراطيين) الذين هم متحررون أصلا والتحرر هنا عدم البحث في صغائر الأمور مثل (شمعنا) فلان وزير (ليش على راسه ريشة) وإلا عشان من الحزب أو القبيلة الفلانية أو الفئة أو الطائفة الفلانية، ومساعدة سمو الرئيس في مساعيه لدفع عجلة التقدم لبلادنا ولا نملي عليه رغباتنا ونجعله يختار بأريحية كاملة ويأخذ مشورة من يريد، لا ان يضغط عليه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مثلما عملته بعض الكتل هذه الفترة برغبتها في الدخول بالحكومة المقبلة وليت هذا قيل في الخفاء بل على صفحات الجرائد والتلفزة، والاخوان أيضا في الحركة الدستورية أعلنوا عدم الدخول في الحكومة المقبلة معللين ذلك بأن الدولة تعاني من الفساد الإداري دون تقديم أي حلول، في حين صرح بعض النواب بأن عمر الحكومة التي ستشكل بأنه قصير ولا يشجع، فكيف ذلك؟
على الجميع زرع أرضية خصبة تتواءم مع الأحداث وتساهم في بناء الدولة، لا ان تتوقعوا بصفة التمني وهذا ما نعانيه في السنوات الأخيرة، فالدولة بحاجة للجميع لا ان البعض يضع (العصا بالدولاب) لذا أتمنى في هذا الجانب من اقناع الحركة الدستورية في المشاركة ليكفينا الله شر الأنفس المريضة ونحقق لبلدنا ما نتمناه وما نصبو اليه.