صالح النغيمش
لابد أن نعي ماهية روح التعامل وكيفية التكيف مع المكان في ظل تزايد المشكلات الزوجية وخصوصا الخليجية، ففي حقيقة الأمر ان هناك قنابل قابلة للانفجار لا يجدي للمرء دس إصبعيه في أذنيه لإسكات دقاتها لأن انفجارها أصبح قضية وقت أكثر منها أي شيء آخر.
فنحن نعرج هنا الى خصائص المكان بين الزوجين أو الشريكين إن صح التعبير.
فالرجل المستبد أحيانا ينطلق من سلطة المكان بصورة غير منطقية ويتعامل على إثر ذلك مع زوجته بصوت المكان لا صوت العلاقة.. مما تثير دهشته قبل أن يثير دهشتها، فالمكان يتسم بالعديد من الخصائص المماثلة للبعد الأسري.. والرجل أحيانا تثيره الأمكنة الخاصة به فيجد ضالة السلطة ليمارس صلاحياته المتفردة من خلال «هذا مكاني» بينما المكان في حقيقته مشترك، أما المكان العام الذي تحاول الزوجة الذهاب إليه هو مكان عام وليس مكانا لأحد فتجد الزوجة ترغب في الخروج بين تارة وأخرى لترى زوجها حملا وديعا تستأنس به كونه لا يكر ولا يفر.
قصيدة رائعة للشاعرة الفذة سعاد الصباح تقول: «إن الرجل الشرقي لا يرضى بدور غير أدوار البطولة» وهذا صحيح، وبطولة على ماذا؟ لا شيء، ونحن هنا لسنا بصدد التطرق للقصيدة بقدر ما نريد أن ننبه الى دور المخرج وتركيزه على المكان الذي تغنت به الفنانة الرائعة ماجدة الرومي عندما كانت تغني على بقعة ارض يحيطها نهر فكانت فلسفة المكان هي الصوت الأعلى والأدق.
فالمكان فعلا يغدو مرادفا للمغامرة والحرية والانطلاق والاكتشاف وابتكار الجديد والغريب.
والحرية في شكلها الخام هي حرية الحركة بل حرية اللبس والكماليات الأخرى فهي أشياء ضرورية ولصيقة جدا بمفهوم الحرية.. فالزوجة مثلا لا تريد أن يكون زوجها متسلطا وخاضعا لسلطة المكان الخاص الذي يلقي الضوء والتعقيدات في الارتحالات الطويلة في خفايا روح الرجل الشرقي وتحديدا الخليجي الذي يأبى إلا أن يتعايش مع جماليات المكان وروحيته.
فتجد أكثر حالات الطلاق في منطقة الخليج تتم في بيت الأهل لأن هناك اسطوانة تدور في عقل الزوجة «أبي بيت بروحي» فلذلك تجد الزوجة تتعايش مع حالة قلق جدلية تنميها عندما يحدث تصادم طبيعي بين الزوجين فيستشرس الزوج ويقمع متطلباتها بقوة ويدور الصراع إلى ما له نهاية.
نحن لا نتمنى أن يتجدد ألم الأسرة كل يوم وينزف الجسد الحي دمه الزكي، حينما يختفي العدل عن العالم ويدمر الرجل بمفهومياته الضحلة والسبب المكان فهذه طامة كبرى ولا بد من إيقاظ العقل وتصحيحه قبل فوات الأوان.. إن بعد الحرية يعطي للمكان إنسانيته أو حميميته المحببة، وعلى الزوج أن يتعايش مع الأمكنة بخصوصية ويمرر الحب بالمكان حتى لا يكون حبا مريضا فيه «سيد وعبد» ويلغي الصمت والانغلاق باختراق واضح المعالم والسبل.. فلا نريد أن نصنع حبا واهيا والعمل على حب الوجود ولا نريد أيضا إسكاب عنفوان الحب من روح جرداء لا يملؤها سوى الهم الرجولي المزيف.. فاليوم هو آخر يوم في هذا العام والأجدر بنا أن نعيد النظر بكيفية التعامل مع الشركاء والتقرب لهم خارجين عن دائرة الصمت والانغلاق المزرية.
إن التقارب والتفاهم والانسجام المشترك نتاج ثقافة المكان الذي يتم من خلاله التناغم لحياة عيش كريمة يملؤها الحب.. وكل عام وأنتم بخير.